لم تأتِ أواخر العهد العباسي إلا و تريم قد أصبحت مدينة العلم والعلماء ومقصد الطالبين للعلم الديني والمعرفة, ويبدو ذلك جلياً من خلال دور العلم والأربطة الشرعية, التي احتفلت بها تريم واجتمع بها في عصر واحد من العلماء, الذين بلغوا رتبة الإفتاء ثلاثمائة رجل إلى جانب وجود السادة العلويين - أحفاد الإمام المهاجر الذين كان لهم أثر كبير سنجده في قادم الأحداث.. آل زياد وآل راشد ظلت تريم تابعة للخلافة العباسية إلى سنة 202 ه ، حيث ملكها بنو زياد، أمراء اليمن مع سائر حضرموت، وامتدت سيطرتهم عليها إلى أن انقرض ملكهم سنة 407ه ، وفي عهدهم في الفترة ما بين 375 – 402ه أسس والي آل زياد الحسين بن سلامة المسجد الجامع في تريم أكبر مساجد مدينة تريم، وهو يتوسّط المدينة، ويصل إليه الداخل إلى مدينة تريم من بابها الجنوبي في الشارع الرئيسي الكبير، و يضم هذا الجامع مكتبة الأحقاف للمخطوطات التابعة لوزارة الثقافة، والتي تلي دار المخطوطات بصنعاء في الأهمية، وتحتوي على ما يربو على خمسة آلاف مخطوط، من بينها مخطوطاتٍ حضرمية مكتوبة بخطٍ فنّي رائع، وهذه المكتبة موقوفة على طلبة العلم. وبعدهم أي الزياديين ملكها بنو معن، ملوك عدن - وليسوا بني معن بن زائدة - حتى استولى عليها الصليحي - داعية الفاطميين - وبعد مقتل الصليحي سنة 481 ه , عادت إمارة تريم إلى آل راشد، بطن من كندة، سنة 574 ه ، حين تغلب على تريم وجميع حضرموت، عثمان الزنجبيلي، من قبل شمس الدين، أخِ صلاح الدين الأيوبي وقبض على ملكها عبد الله بن راشد - المولود بتريم سنة 553 ه وبقي أميراً إلى أن قُتل سنة 612 ه - بعد تنازله عن الملك طوعاً وزهداً فيه، وتجرداً للعبادة، وهو مدفون بمريمه, وقد بلغت تريم في عهده من العلوم الدينية مبلغاً ليس له مثيل في حضرموت ولا في اليمن, فقد صارت كعبة يؤمها طلاب العلم من سائر أنحاء البلاد, وكان يرحل إليها بعض اليمنيين من زبيد حتى إذا نالوا حظهم من علوم اللغة والدين عادوا إلى زبيد ونشروا ما تلقوه من علماء تريم. عصر الفوضى ساد بعد ذلك عصر الفوضى بسبب عدم الاستقرار وكثرة الدويلات المتنازعة على حد توصيف البكري بقوله: “أصبحت البلاد في اضطراب مستمر وفي زلزال متواصل وقد يهدأ الاضطراب ويسكن الزلزال ولكنه هدوء متقطع وسكون تتخلله هزات, فحينما يشعر زيد بقوة ساعده وبأسه وحينما يجول بخاطره ويطرأ على باله التسلط على العباد و البلاد يأخذ عدته ويصيح في قومه فيهجم ويستولي على بلد أو أكثر من بلد ويعلن للناس حكمه الجديد وبعد مضي شهور عليه أو سنة أو أكثر من سنة يأتي عمرو برجاله فيطرد زيداً وأنصاره ويحكم البلاد حكماً يخالف من قبله” فقد تولى بعد آل راشد تريم رجال قبيلة نهد، ثم السلطنة اليمانية التي أسسها مسعود بن يماني سنة 648ه بعد أن قامت بينهم حروب تداولوا بها الدولة على تريم. وفي أثناء هذه الحروب، استولت الدولة الرسولية على “تريم” وسائر “حضرموت”، سنة 658 ه ، في عهد ثاني ملوكها المظفر. وفي أواخر القرن السابع الهجري، عادت الدولة إلى آل يماني وآل راصع وبقيت إلى أواخر القرن التاسع، حيث قامت دولة آل عبد الله على “ظفار” و “سيئون” وامتدت إلى “تريم” ولكن الأمر لم يلبث إلا قليلاً، حتى عادت الإمارة على “تريم” لآل يماني ولآل راصع، إلى أن أخرجتهم الدولة الزيدية منها سنة 926 ه بمعية بدر أبي طويرق ، الذي تولى الإمارة وسمي سلطاناً وهو صغير وقضى على تعدد السلطات والملوك بحضرموت، وقبل سيادة السلاطين آل عثمان عليه بمرسوم من السلطان سليم، سنة 944ه، لما انتابه من هجوم البرتغال على “الشحر” سنة 929ه لكنه في آخر الأمر وثب عليه ابنه عبد الله وتغلب عليه حتى مات سنة 977ه. ثم تناوب الملك أولاده إلى أن انتفض عليه يافع وكانوا جنوداً لهم، وطردوا آل كثير سنة 1119 ه ، وانتهى حكمهم أي- يافع - ببروز الدولة الكثيرية مرة أخرى ومؤسسها السلطان غالب بن محسن وتدخل تريم من جديد في إطار هذه الدولة التي استمرت حتى الجلاء البريطاني من جنوباليمن عام 1967م في عصرنا المعاصر.. وللحديث بقية.