ليس من المستغرب ان تتّسم المسألة السودانية بقدر كبير من التشعب والتعقيد، وذلك استناداً إلى طبيعة السودان وموقعه الجيوبوليتكي، ومجاورته لسلسلة من البلدان العربية والافريقية، واعتقاد صُناع الفوضى الخلاقة بأن السودان يمكنها أن تكون لقمة سائغة لمطامع غامضة، تقدم نفسها على طبق الديمقراطية وحقوق الانسان. تلك الحقوق التي تنتهك بفداحة بالغة من لدن سدنة النظام الدولي الجديد . ليس من الغريب أن تكون المعادلة السودانية في قلب أولويات المخططات، الغامضة في الشأنين الإقليمي والدولي، ولا نسعى من هذا التعميم إلى تخليص انفسنا كنخب سياسة عربية من تحمل مسؤولية التخلي الطوعي عن أدوار كان ينبغي ان نُباشرها منذ وقت طويل، وخاصة تلك النخب العربية القابعة في سدة الحكم في غير بلد عربي، وبالمقابل لا يمكن تبرئة ساحة دول الجوار الاقليمي بشقيها المتكاملين عربياً وإفريقياً، فالجميع تبارى على خط الفُرجة، والمراقبة السلبية لما يجري في أقاليم السودان مترامية الأطراف، وكأنهم بمنأى من العواصف المحتملة. ومن سخريات القدر أن ينخرط فرقاء الساحة المحلية في إدمان الاستقطابات غير الحميدة على حساب القضية المركزية، وفي هذا الباب أُشير الى الحركة الشعبية التي استمرأت التنازلات الإجرائية عن مقولات مؤسسها الراحل قرنق، وهوالذي كان يؤكد دوماً على السودان الكبير المُتعدد. تلك النخب الجنوبية استبدلت الادنى بما هو أعلى، وتماهت سلباً مع النزعة الشعبوية غير الرائية لما وراء الآكام والهضاب . أنصار الحل بالانفصال ينسون أويتناسون أن نموذج نيفاشا لن يوفّر لهم غطاءً مستقبلياً يؤمن تمثيل كافة المكونات الاجتماعية في الجنوب، خاصة إذا عرفنا أن نيفاشا خرجت من رحم أزمة مستديمة، وتوخّت ان تكون عتبة انتقال افتراضية. ولم يكن بوسعها استيعاب رؤية جديدة شاملة تخص عموم الوطن السوداني الكبير، فبدت نيفاشا كما لو أنها « تُشرْعن» لكونفدرالية فولكلورية، تحولت تباعاً وبقوة دفعها التعبوي، ودعم الأمريكان، والدين السياسي الميكيافيلي إلى معادلة سياسية كبيسة . [email protected]