عندما تسوق أو تقود النساء مركبة، الجميع يستغرب ويتعجب خوفاً عليها من أي مكروه, أو حسداً أو استكثاراً عليها, فهي تأخذ من حق عاشه الرجل وحده كما يعتقدون لأمد بعيد, فنسمع نحن النساء عبارات إعجاب وسخرية وتندر بأننا نتجرأ وغير متفهمين لحاجة العصر وحاجة الحياة من تأهيل وتدريب وخدمة نحتاجها.. وبالطبع عندما تقود النساء الطائرات لا يوجد ذلك؛ لأنها وحدها تحلق في السماء ولا يملك الآخرون إلا الدعوة للجميع بالسلامة, وقد لا يعرف الكثير ما وصلت إليه المرأة, ويظل الاستكثار سيد كل ذلك, فهناك اعتقاد عفوي يسقطه الناس على النساء بأنها كيف ستقود وكيف تعالج أي خطأ أو خلل في السيارة؟ وماهي خبرتها؟ وكأن كل الرجال لديهم هذه الخلفية وهذا المحذور!!! وهو ما أصادفه أنا بحكم أني أقود سيارة. سيارة فقط, وليست طائرة.. أوضح للآخرين إنني لا شك تدربت ولدي خبرة أكثر من 20عاماً في قيادة السيارات, هي عندي ببساطة مثل استخدام ماكينة الخياطة, ولها ضوابط وسرعة وتعبئة بالخيط مثل الزيت والبترول, وهي مثل آلة الطبخ “الشولة والخلاطة” ولكن البعض يظل عنده إسقاط الخطورة.. وحقيقة أشفق على تفكيرهم ومازال بعضهم يعتقد أن النساء لا يستطعن, وأنهن يقتحمن عملاً ذكورياً! خاصة أن هناك اعتقاداً أن هذا العمل نوع من التشبه بالرجال والخروج عن الإسلام, وكأن الإسلام تطرق لذلك, ولكنها عجلة تطويع التكنولوجيا لخدمة الإنسان, بل إن مبدأ هام في أن المشين في التعامل لما استخدم, وهذا صحيح فقد خففت التكنولوجيا أيَّ جهد عضلي يعتقد البعض أنه عصي على النساء, فهن رقيقات لا يتحملن, متناسين أن مهنة نقل المياه من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل مهمة شاقة جداً تقوم بها النساء ولا أحد من الرجال يشفق عليهن, فهي وظيفة أنثوية غرسها وعمقها المفهوم الاجتماعي وما فرضته العادات في تقسيم العمل, ولم تصلنا بعد رياح التنمية لتخفف عن نسائنا وطأة مصاعب نقل المياه لتكون حنفية المياه بجانب المنزل إن لم تكن بداخله, وهي معجزة تنموية علّها تتحقق. حقيقة أخرى لا يعرفها بسطاؤنا أن المرأة اليمنية تقود طائرة مثل الكابتن لينا مصطفى وأيضاً تقود حراثة, ولا أعتقد أنها تمارس ذلك اليوم, ففي منتصف سبعينيات القرن في عام 75م تحديداً, حينها قام اتحاد نساء اليمن في المحافظات الجنوبية بتدريب مجموعة من الشابات على ميكانيكا وصيانة الحراثات وقيادتها في ورش الصيانة في عدن وأبين, كما تدربت أخريات على صيانة محركات الطائرات لا زالت إحداهن تعمل حتى اليوم, مما يدل على قدرة المرأة على أي عمل عضلي وفني.. وكون ظروف الحياة ومتطلبات سبل العيش تفرض عليها ذلك وفق قدراتها التعليمية والواقع, وما يحتاجه الأمر من قوة إرادة والحال كذلك في محافظة الجوف عند زيارتي لها ونقاشي مع بعض النساء أوضحن أنهن يقدن السيارات لكون رجالهن ذهبوا للعمل خارج المنطقة, وأن الإنتاج الزراعي معرض للتلف لعدم توفر من يقود السيارة لينقله, لذا تعلمن هذه المهنة وأصبحن يجمعن المحصول على الأقل من المزرعة إلى المنزل, وهو ما أفرحني بألا تخسر محصولها, وأن حاجز العادات سيزول, وفي حالة أخرى نساء يذهبن يومياً بسياراتهن من وإلى صنعاءعمران والعكس. عندما استطلعت آراء بعض الرجال قال لي أحدهم إن من ينادون بعدم السماح للنساء بقيادة المركبات عليهم أن يدركوا أن رياح العولمة تهب وأن على الإنسان أن يُسخر التكنولوجيا لحاجته. قلت: وضِّح, قال: أنا أفضل تأهيل النساء لقيادة السيارات لأن حركتها أسهل, فهي ستأخذ أبناءها وأسرتها, وفي حالة الطوارىء ستنقذ أيَّ مصاب من أسرتها, بل وفي حالة الأفراح أفضل أن تكون السائقة امرأة من أفراد الأسرة, وهذا يتناسب والشرع الإسلامي حتى تأخذ الجميع راحتهن أفضل من أن يكون السائق رجلاً, سواء من الأسرة أو من خارجها, وقد سعدت لوصول هذا الفهم عند الرجل اليمني وقلت عقبال ذهاب اليمنيات في رحلة إلى الفضاء.