المروج الخضر اتسقت مع البياض الناصع لأجنحة الطيور الغسقية, وأسراب الكائنات الطائرة استحضرت شفق المغيب ورائحة الزهور المسائية, وعلى مقربة من الحنين طاف الرائي بعيون تخاطرت مع الطبيعة ونواميسها, غير أنه كان عاجزاً عن إدراك كنه المغيب ومعانيه . عصر يوم من زمن النفوس رآها في الصحو كما كانت في المنام.. سمراء تلتحف الغمام.. هيفاء غصناً في المروج الخضر, محلقة كفراشات الأمازون الموشات بالجمال والدلال . كان يومه غاسقاً .. غائماً, ومتناسباً مع مقاييس حنينه .. كان يوما لا تجري فيه المياه كعاداتها, ولا تحلق فيه النوارس كديدنها الأليف, ولا ترتسم فيه الطيور الخضر عند رؤوس الجبال. عاد إلى مرابع الصبا، فقرأ سفر أيامه البعيدة, عندما كانت حارته كومة من منازل مرسومة بالحجارة والخشب وبقايا الطبيعة, وكانت أعمار البشر تقاس بتقاليد الأيام وتقلبات الطبيعة, وكانت لحظات المحبة والحبور تنتشر كالجراد القادم من تصاريف الأيام وتقلبات الفصول . الجراد كان يتعايش مع البشر.. يُكسي الحقول اصفراراً دونها الشموس الحارقة والبحارات الزرقاء . الآن ينحسر الحنين أمام تيار العنف القادم من عمق المتاهات, وخرائب العلوم .. الآن تخبو الأفئدة كأنها انحشرت في ثلاجة عصرية لا حدود لرماديتها وبرودتها القاسية . كيف للنفوس أن تتّقد في مثل هذه الأحوال؟ وكيف للزمن أن يعيد دورة بهائه الأزلي, ونحن نعيد إنتاج بؤسنا السابق .. اللاحق ؟ [email protected]