تزايدت في الآونة الأخيرة دعوات منظمات المجتمع المدني والأممالمتحدة لأن تقوم شركات ومؤسسات القطاع الخاص بدور اكبر في المسئولية الاجتماعية ، فقد أطلقت الأممالمتحدة في 26 يوليو 2000م الميثاق العالمي للمسئولية الاجتماعية في مقر الأممالمتحدة بنيويورك وهي مبادرة طوعية متعلقة بالشركات.. ويعتمد الميثاق على المسئولية الاجتماعية العامة بما في ذلك شفافية الشركات والقوى العاملة والمجتمع المدني للبدء والمشاركة في الأداء المتعلق بتنفيذ المبادىء المستند عليها الميثاق والمتمثلة ب(حقوق الانسان – العمل – البيئة – محاربة الفساد) وحدد الميثاق نطاق المسئولية الاجتماعية بالجانب الاقتصادي والقانوني والثقافي والاجتماعي. الوصول إلى هكذا ميثاق جاء في سياق تطور تأريخي لمفهوم المسئولية الاجتماعي وزيادة مساحة المنافع المتبادلة بين المجتمع وشركات القطاع الخاص (المستهلك والمنتج) فبعد قيام منظمة التجارة العالمية تزايدت ردود أفعال المناهضين للعولمة مما دفع بالشركات المتعددة الجنسيات والعملاقة إلى اعادة التفكير بدورها ومسئولياتها في مواجهة تنامي ظاهرة الفقر والافقار نتيجة التطبيق الصارم لتحرير التجارة الدولية من باب تطمين الشعوب والمجتمعات التي ستتعامل معها وخلق علاقة ود معها تساعد على تحقيق أهدافها التجارية وجذور هذا الموضوع تعود إلى القرن الثامن عشر من خلال بعض الشركات التي ساهمت في عدد من المبادرات التي تعزز مصالح العمال والمجتمع.. ففي العام 1790 استجابت شركة شرق الهند لمقاطعة المستهلكين البريطانيين لمنتج السكر الذي يزرع بواسطة العمال الرقيق في حوض الكاريبي وعوضاً عن ذلك قامت بشراء السكر من منتجين في البنغال (بنغلادش) وفي عام 1800م قامت شركة أوكرليد ببناء مدن في انجلترا للعاملين تضم مدارس ومكتبات ومضخات لإعادة معالجة المياه الناشئة عن الاستعمال الصناعي. خلال القرون الماضية كانت المنشآت الصناعية والتجارية تحاول جاهدة تعظيم أرباحها بشتى الوسائل (ومازالت) إلا أن النقد المستمر لمفهوم تعظيم الأرباح أدى إلى اعادة النظر بمعايير تقييم شركات القطاع الخاص ، فلم تعد تلك الشركات تعتمد على ربحيتها فحسب أو تعتمد في بناء سمعتها على مركزها المالي فقد سعت العديد من الشركات إلى تبني دور أكبر تجاه المجتمع والبيئة التي تعمل فيها. إلى أي مدى تتبنى شركات القطاع الخاص في اليمن المسئولية الاجتماعية؟ وهل وصلت إلى مرحلة القناعة بأهمية لعب هذا الدور كواجب وطني وانساني من ناحية ورؤية تجارية علمية من ناحية أخرى؟ الواقع يقول: أن شركات معدودة ومحددة هي من تتبنى هذه الرؤية والأغلبية مازالت تتعامل مع واجباتها في دفع الضرائب والزكاة والإلتزام بحقوق العمال بطرق ملتوية فتتحايل عند دفع ضرائب الدخل لعمالها وترى في ضريبة المبيعات حقاً من حقوقها ، فتضيفها إلى فاتورة المشتري كأنها لاتدفع منها شيئاً لخزينة الدولة وتوهم نفسها عند دفع الزكاة أنها قد دفعتها للفقراء والمساكين مقابل عشرات الريالات التي تدفعها يوم الخميس للمساكين وهي تعلم أن الزكاة فريضة دينية وركن من أركان الإسلام لايسقط الا بدفع الزكاة لولي الأمر ولبيت مال المسلمين. هناك نماذج لمؤسسات تنتهك القوانين وتصادر حقوق العاملين لديها فلم تلتزم بساعات العمل ولا الحد الأدنى للأجور والمرتبات التي حددها القانون.. إن مجرد خلق الوظائف وسداد الضرائب (إن تم) لم يعد كافياً لإسهام القطاع الخاص في تنمية المجتمع فالأول تخلقه حاجة القطاع الخاص للعمال والثاني ملزم قانوناً بتنفيذه وعلى هذه المؤسسات تذكر مسئولياتها الإجتماعية والاخلاقية تجاه المجتمع والتعامل وفق أنظمة ولوائح وقوانين الدولة والابتعاد عن فكرة تحقيق الأرباح تحت أي ظرف بالمقابل توجد نماذج لشركات ومؤسسات أدركت مسئولياتها تجاه المجتمع فأنشأت من أجل ذلك جمعيات خيرية وهي جهود متميزة لاتقتصر على دفع مبالغ مالية للفقراء والمساكين واعانة المرضى والانفاق على العجزة والمعوقين بل تتعداها إلى إقامة مدارس ومراكز تدريب وتأهيل ، إلا إننا نرى أن بإمكان هؤلاء وغيرهم من تقديم برامج اكثر فائدة وجدوى لما تمتلكه هذه الشركات من الإمكانيات الإدارية والفنية في اعداد دراسات جدوى لمشاريع صغيرة وتمويلها وتقديمها لهؤلاء الفقراء ومتابعة تنفيذها حتى يتمكنوا من تجاوز مرحلة الحاجة والفاقة وتحويلهم إلى أشخاص منتجين لايحتاجون (للزكاة) السنوية. العملية تحتاج إلى تخصيص مبالغ مالية تمنح كقروض ميسرة بدون فوائد للفقراء وأخذ الضمانات اللازمة لتنفيذ تلك المشاريع وإعادة القروض وبالتأكيد ستختلف المشاريع باختلاف البيئة الحاضنة لها ، فالريف بحاجة إلى مشاريع زراعية وحيوانية ومناحل العسل وفي المدينة سنجد معامل الخياطة وصناعة الحلويات وغيرها كمشاريع صغيرة مدرة للدخل وستتكامل هذه الجهود مع جهود منظمات وجمعيات أخرى في البحث عن أسواق تستوعب منتجات تلك المشاريع. على هذه المؤسسات أن تعمل بمبدأ (لاتعطيني سمكاً بل علّمني كيف اصطاد) فلا تجعل من عطاياها وسيلة للتواكل على الآخرين بل تجعل منها حافزاً للانتاج مع استمرار تقديم الدعم والمساعدات للعجزة والأيتام والمعوقين الذين لاقدرة لهم على العمل ويأتي دور الحكومة بوضع مجموعة من الحوافز لدفع الشركات للمساهمة الاجتماعية كإعطاء الأولوية في المناقصات والمشتريات للشركات التي تساهم بفعالية في المسئولية الاجتماعية بالاضافة إلى ادراج المسئولية الاجتماعية ضمن شروط الحصول على شهادة الجودة والجوائز التي تقدمها الدولة. كما أن منظمات المجتمع المدني وتحديداً التي تنشط في مجال الحقوق والحريات وجمعية حماية المستهلك يمكنها أن تلعب دوراً ضاغطاً بتبني قائمة سوداء بالشركات التي لاتساهم مجتمعياً وتدعو إلى مقاطعة منتجاتها حتى تدرك أهمية المجتمع في تحقيق أرباحها وتعمل على اعادة التوازن إلى علاقتها به. * رئيس تحرير موقع اليمن السعيد الأخباري