قبل ولوج عصر الانفتاح كانت المرأة موضع فخر الرجال والفرسان، فلا يهب أحدهم لنجدة إلا وصاح (أنا أخو فلانة) كما لو كانت هي المجد الذي لا ينبغي تدنيسه بخذلان.. غير أن العصر الذي فتح أبوابه للبشرية على شتى مباهج الحياة أغلق بابه أمام المرأة التي أمست في زمن الانفتاح (عاراً) وصوتها (عورة) ومستباح حتى تزويجها وهي في (القماط).. ولأن مجتمعاتنا العربية تعيش أزمة أخلاقية فقد أسقطت المرأة بنظرة شبقية قاضية على فراش الاستمتاع، وصار لعابها يسيل على صغيرات الحضانة ورياض الأطفال، وأمست السيوف تشهر من أغمادها إن ذكر أحد اسم الأم، رغم أن نفس المجتمع لا يكف عن ذكر أمهات المؤمنين (رضوان الله عليهن) واستلهام العبرة من سيرهن الشريفة.. لكن هي شيزوفرينيا العصر التي تفشى داؤها جراء أزمة الأخلاق، وليست أزمة الوعي كما يظن كثيرون. في اليمن التي نهلت البشرية أولى دروس الشورى من كف ملكتها بلقيس يدور جدل حاد حول مشاركة المرأة في الانتخابات ودخولها البرلمان بين مبيح ومستبيح ولاعن..! فالسلطة تبيح لها 44 مقعداً، وبعض المعارضة تحلل للمرأة انتخاب الرجل وتحرم عليها انتخاب بنات جنسها، فيما فئة صغيرة من المتشددين تحرم المشاركة بالكامل.. وفي خضم معارك الحزبية المستعرة منذ أعوام يتضاءل الأمل في إمكانية وصول اليمنيات إلى بوابة مجلس النواب. فالمؤشرات الحالية تؤكد أن المرأة اليمنية متجهة إلى مزيد من العزلة السياسية.. فلنقس مثلاً على المحافظات الجنوبية التي عاشت حقبة من عمرها تحت مظلة الأيديولوجية الاشتراكية التي لم تتوان حتى عن الدعوة إلى (السفور) فإن المرأة لم تسجل أي تفاعل مع المشهد السياسي القائم، بغض النظر إن كان الموقف سلبياً أم إيجابياً.. وكذلك الحال في مناطق التمرد في صعدة، وبعض ما جاورها، ظلت صورتها بائسة تدفع ثمن المغامرات الطائشة للذكور.. ولم يكن حال المرأة أفضل في بقية الأرجاء.. ولعل ما يستحق الجدل فعلاً هو الحضور الواسع للمرأة في ساحة المجتمع المدني، وأدوارها الفاعلة في أنشطته المختلفة، الأمر الذي يؤكد أن موضوع الوعي ليس كل المشكلة التي تعترض مشاركة المرأة بقدر الأنانية الحزبية واللهاث الذكوري على الكراسي التي تغري الجميع بامتيازاتها المادية والوجاهية.. لذلك نجد أن البرلمان العراقي مثلاً الذي كان يضم عشرات النساء لم تعد فيه هذه المرّة - أي امرأة - على الإطلاق بفضل المغريات المادية.. وربما نجد إشكالية أخرى في غاية الأهمية تتمثل في أن النساء في اليمن متقاعسات عن أدوارهن في بلورة الآليات المناسبة لشق طريقهن إلى الحياة السياسية.. فقد رمت المرأة اليمنية بثقلها كاملاً في ساحة المجتمع المدني وظلت تتطلع أن تكون بوابتها للعبور إلى الساحة السياسية، وهذا بتقديري خطأ فادح؛ لأن لكل ساحة ظروفها الخاصة، وكان لابد من فهم ناضج للعملية الديمقراطية التي لا يمكن أن تستقيم بغير إيجاد اللوبيات والتحالفات التي تكفل حشد أصوات الأغلبية.. ومن خلال تجارب سابقة وجدنا المرأة اليمنية تدور داخل أطر المؤسسات المدنية وتبني تحالفات داخلها دون أن تنجح في تشكيل لوبي ضغط سياسي مؤثر في خرائط اللعبة الحزبية التي تتوافق عليها مختلف الأقطاب.. فالأحزاب كلها تراهن على كثافة المشاركة النسوية في الوقت الذي لا تجرؤ المرأة على اللعب بنفس الورقة والتلويح بإمكانية التحريض على مقاطعة نسوية للاقتراع إن لم تكفل الأحزاب دوائر مغلقة للمرأة.. فمثل هذا الخيار يدخل في نطاق إمكانيات النساء ومحيطها الحركي وساحة نشاطها في المجتمع المدني التي تهيئ لها الكثير جداً من الحلفاء.. المرأة اليمنية عبر التاريخ كانت متفوقة على تحديات عصرها؛ لأنها كانت تمتلك إرادتها، ولم ترهنها بيد حزب لا يعترف بحقها في المشاركة السياسية ويتخذها مطية لإيصال أزلامه إلى بوابة البرلمان.. وفي هذا امتهان كبير لإنسانيتها لا ينبغي عليها الخنوع له؛ لأنها بالأصل لا تجني شيئاً من الأحزاب، بل على العكس كان النواب الذين دخلوا البرلمان على أكتاف النساء هم ألد المعارضين لكل التشريعات التي طالبت بها المرأة.. فلتتحرر نساء اليمن، فأرض سبأ لم يكن ليباهي بها أحد لولا بلقيس الملكة.