أي ركن قصي يرمى الإنسان عقله، ليرتكب أشنع الأعمال وأفظع الحماقات، بل أي ضمير يحمل هذا الذي يتجرأ ليذبح أخاه الإنسان، بدون سبب بأبشع صورة وأشنع طريقة ياإلهي! أي بشاعة أعظم جرماً، وأشد خطراً من إنسان يقتل أخاه أو أباه، ويتعامل معه بدم بارد كما لو أنه حشرة، لا بل ربما سوّلت له نفسه الشريرة والآثمة أنه بذلك ينال أجراً عظيماً.. على أن الإسلام يمقت ذلك ويحرمه أشد التحريم، يحرمه إلى الحد الذي يجعل فيه هدم الكعبة على مكانتها حجراً حجراً أعظم عند الله من إراقة دم مسلم بدون وجه حق؛ لذا ومن أجل حفظ النوع الإنساني كان فيما شرعه من وسائل القصاص{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}لأن القاتل عندما يهم أو يفكّر،ويعلم بمصيره يُحجم عن هذا الفعل الأثيم والجرم العظيم. أجل .. فالجزاء من جنس العمل والنتائج مرتبطة أشد الارتباط بأسبابها أو بمقدماتها كما يقول أهل المنطق. هذا العام بطبيعة الحال ليس ساراً، بل هو مثله مثل أعوام سبقته، لا بل هو أسوأها وأنكأها.. ألا نرى فاتحته التي يقدم فيها الإنسان أخاه أو أباه أو قريبه وألصق الناس به يقدمه قرباناً بين عتبات العام الجديد.. لم تكد أنفسنا المتعبة تفرغ من هول الصدمة من ذلك الحادث الأثيم والجرم العظيم الذي هزّ الحديدة وزرع فينا الأسى والعلقم، ورحنا في شعور من اللامعقول واللاوعي نفكر في أسبابه وبواعثه التي أدت إليه.. ماكدنا نفرغ من ذلك كله حتى جاءنا الخبر الصاعقة الأبشع، الذي ربما يكون الأول من نوعه في تاريخ البشرية الطويل، أو الحديث منه على الأقل.. أن يتجرأ ابن عاق على قتل أبيه وأخيه وأخته فذلك خبر لايصدق، ولولا أنه حادثة واقعة ومشاهدة هزت اليمن من أقصاه إلى أقصاه لقلنا: إن ذلك ضرب من الخيال، أو مقطع من تراجيديا حزينة في أفلام هوليود المرعبة، شخصياً لم أسمع أو أقرأ حادثاً كهذا في حدود قراءاتي وخبراتي على الأقل فالإنسان مركوز في فطرته على تقبيح مثل هذا الفعل فضلاً عن مقاربته أو ملامسته، وما أظن أحداً يفعل هذا إلا رجلاً منكوس الفطرة، أو في إجازة طويلة من عقله وضميره وإحساسه، وطالما والأمر كذلك فإن من المرجح أن يكون الحادث الأخير والذي قبله كان صاحباه في إجازة طويلة من عقليهما؛إذ لا يُستبعد أن يكون حدث ذلك بفعل منتجات بعض شركات الأدوية، التي لاتتورع في تصنيع كل ماهو ضار بالعقل وبيعه على من هبّ ودبّ، وبعيد كل البعد القول بخطأ أساليب التربية؛لأن ماحدث فوق منتهى الحدود والتصور ومخالف ليس لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان بل مخالف لطبيعة الإنسان من حيث هو إنسان،إنسان فحسب. سيظل المتابع العادي واضعاً كفه على ذقنه تارة حيرة مما حدث وتارة يده على قلبه خشية ألا يقول القضاء كلمة العدل بإنزال أشد العقوبات وبالطبع ليس غير القتل والصلب؛ إذ هما ربما يشفيان شيئاً من غليل المجتمع ويجعل القضاء محل احترام الجميع. وإذ نتمنى ذلك، لايجب أن نغفل الجهات المسئولة في الصحة وغيرها من المسئولية ووضعها تحت اللوم والمساءلة والمطالبة بمحاسبتها لغضها البصر وغفلتها عن توزيع الحبوب المخدرة والمسكرة، تلك التي تصادر العقول وتغدو السبب الأكبر في توزيع الموت هنا وهناك وبالمجان.