كانت النتيجة المنطقية للحلم الطوباوي الغورباتشوفي انهياراً للتجربة السوفيتية، والروسية لاحقاً.. انهياراً حراً ومنظماً، ليس للاتحاد السوفيتي فقط ، بل للمنظومة الاشتراكية العالمية . هذه الحقيقة جعلت منظري رأسمالية القرن الجديد ينتشون ويستشعرون بأن الرأسمالية في نموذجها الأمريكي تشكل خاتمة التاريخ البشري المعروف، وهكذا انبرى «فوكوياما» ليحدثنا عن «نهاية التاريخ» .. يقصد التاريخ المعروف للبشرية المعاصرة، وأن يعتبر النموذج الأمريكي موديلاً لكافة الشعوب والأنظمة، بل وأن يعتبر هذا الخيار جبراً لا مفر منه. هذا الانتشاء المزيف والمتسارع حد الهرولة ترافق مع انتشار موازٍ لمنظومة مرئيات «بريتين وودس» الأولى والثانية، ليقرروا مرة واحدة، ضرورة وأهمية تعميم النظام النقدي العالمي المصبوغ باللون الأمريكي، وليعمموا روشتات التشافي القسري على الدول الصغيرة، ويفتحوا الباب للاستثمارات الرأسمالية المجافية لفكرة التنمية المستدامة، وليجعلوا بورصة ال «وول استريت» الطاغوت الأكبر في عالم المال والأعمال، وليجعلوا النماء من أجل النماء الصرف منهجاً لتدوير الاستثمارات، وليخضعوا التجارة الدولية لمباراة حرة يتساوى فيها القوي والضعيف، والفقير والغني!! . هذه السياسات المُدمّرة فاضت ببؤسها على مليارات الفقراء في العالم، ووسّعت الفجوة بين الجنوب الفقير والشمال الغني، وكشفت بطلان وتهافت ما يُسمى بالحرية الاقتصادية.