هذا سؤال جوهري، بل هو ما نود الاقتراب منه اجتهاداً، والشاهد أن العالم الاسلامي يقبع في قلب المعادلة العالمية لتفتُّق وتكابر الظواهر الموضوعية، ومحصلتها ظاهرة العولمة، وهي ظاهرة تحمل بُعدين مُتناقضين: الأول بُعد موضوعي يتعلق بكونها ثمرة ناجزة للعلوم والتكنولوجيا والاتصال، والثاني بُعد ذاتي يتعلق بهيمنة القوى الكبرى على مصائر الظاهرة، وبما يؤدي الى تنميط العالم اقتصادياً وثقافياً وحياتياً وفق النموذج الذي أسماه فوكوياما «نهاية التاريخ»، ويقصد به النموذج الأمريكي الذي يمثل بحسب فوكوياما آخر النماذج الإنسانية التي تحقق الكمال!!. ظاهرة العولمة لا تعني فقط التداخلات الاقتصادية الهائلة والدفق العام للمعطيات المالية والتجارية والاستثمارية والمعلوماتية، وصولاً إلى الثقافة والهوية، بل إنها تعني أيضاً انخراط المسلمين في هذه المباراة الحرة العسيرة من موقع الشريك المساهم، لا المُتلقي السلبي، لأن المنظومات العالمية الجديدة لا تسمح لأحد بأن يقف متفرجاً إلا إذا حكم على نفسه بالفناء . كما أن ظاهرة العولمة ترافقت مع تعميم «إجرائي» قصدي لسلسلة من النواضم القانونية الدولية التي تتعلق أساساً بالاقتصاد، كما هو الحال في تسارع تفعيل اتفاقية «بريتن وودس» للنقد الدولي، والتي جاءت عطفاً على نتائج الحرب العالمية الثانية، وأصبحت لاحقاً نقطة ارتكاز النظرية النقدية الأمريكية لفترة ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي جعل البنك وصندوق النقد الدوليين يباشران تعميم ما يُسمى بروشتات الإصلاح المالي والاداري على البلدان التي كانت تسبح بعيداً عن نواميس الاقتصاد الرأ سمالي العالمي، ومنها أغلب البلدان العربية. وإلى ذلك تم مباشرة تفعيل إتفاقية التجارة والتعرفة الجمركية “الجات” التي تكمل صورة النموذج الاقتصادي الدولي المطوب أمريكياً وأوروبياً، والمسيّج بثقافة العولمة واستتباعاتها الماثلة على الأرض . [email protected]