تتزاحم الأفكار وتظهر القضايا, ويجد الواحد منا صعوبة للإحاطة بكل هذه القضايا دفعة واحدة, ولكن طبيعة القضايا الحساسة, تفرض علينا أن نشير إليها ولو بشيء من الإيجاز, لنقف عندها كمحطات ترانزيت, نتزود منها بالوقود, وخلالها نضع النقاط على الحروف, ونسمي الأشياء بمسمياتها.. وفي هذه التناولة الأسبوعية سنتوقف عند ثلاث محطات هامة, كل محطة كانت بحاجة إلى مقالات عدة, ولكن المستجدات الراهنة, والتوقيت الزمني لها, جعلنا نتناولها في سياق محطات متفرقة. المحطة الأولى: المشترك وعصابات التخريب والتقطّع من حق أحزاب اللقاء المشترك أن تعارض سياسات الحكومة, التي لا تصب في خدمة المصلحة الوطنية, من وجهة نظرها, ولديها الوسائل والطرق القانونية المشروعة, والتي تعدُّ ثمرة من ثمار الديمقراطية والتعددية السياسية, ولكن الذي ليس من حق أحزاب اللقاء المشترك هو الاستغلال الخاطئ لهذا الدور الرقابي المنوط بها, لتتحول إلى معارضة من أجل المناكفات السياسية والحزبية واللهث وراء صفقات سياسية على حساب المصالح الوطنية العليا, وهو دور سلبي لا يتماشى مع القاعدة الديمقراطية, التي تقول بأن المعارضة هي الوجه الآخر للحكم, وفي هذا السياق حزنت كثيراً وأنا أتابع مواقف المشترك من أعمال التخريب والاعتداءات والتقطعات, التي تقوم بها عصابات الهدم والتخريب من القوى المأزومة في بعض مديريات لحج والضالع, حيث أظهر المشترك حالة من اللامبالاة حيال مايجري للأسف الشديد.. إنهم لم يكتفوا بذلك, بل ذهبوا إلى حد إدانة السلطات الأمنية, جراء قيامها بواجباتها في حفظ الأمن والاستقرار وحماية المواطنين, وتأمين الطرقات والممتلكات العامة والخاصة, رغم ما تتحلى به الأجهزة الأمنية من سعة صدر وصبر وتحمل على بعض أعمال التخريب, في محاولة منها لإتاحة فرصة لهذه العناصر الارتدادية المغرر بها للعودة إلى جادة الحق والصواب, ولكنها للأسف تزداد عتواً ونفوراً وإجراماً, وتقابل العفو والتسامح بالجحود والنكران والتآمر.فماذا يريد المشترك من الأجهزة الأمنية, وهي تشاهد هؤلاء المرضى, وهم يعكرون صفو الأمن والاستقرار في ردفان والحبيلين وماجاورهما, قطعوا الطرقات ورفعوا أعلام التشطير, وعطّلوا العمل في الدوائر والمصالح الحكومية, ومارسوا صنوف الإذلال بحق المواطنين الوحدويين, ووصل بهم الحد إلى الاعتداء على النقاط العسكرية وأفراد القوات المسلحة والأمن, فأين المشترك مما يحدث؟ ولماذا لم يسارع قادته إلى إصدار بيانات إدانة واستنكار لكل هذه الأعمال الإجرامية؟ لماذا هذه المواقف المخجلة؟! أين الحرص على المصلحة الوطنية؟! ماذا تريدون بعد أن يرفعوا أعلام التشطير ويرفعون الشعارات الانفصالية؟ أليست الوحدة اليمنية ملكاً لكل اليمنيين سلطة ومعارضة ومستقلين, أم أن الوحدة ملكية خاصة للمؤتمر الشعبي العام؟! لماذا تضعون أنفسكم في دائرة الاتهام, وكأنكم تدعمون هذه العصابات الإجرامية, وتمثلون الغطاء السياسي لهم, ولا أعتقد أنكم ترضون بذلك, ومن الواجب عليكم التفريق بين القضايا.. التنافس السياسي والحزبي مكفول ومشروع وطرقه ووسائله معروفة ومتاحة أمام الجميع, ولكن المساس بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها الوحدة المباركة من المحرمات, التي لا يجب السكوت عنها أياً كان مصدرها, وعليكم أيضاً تقع مسئولية توجيه النصح لهؤلاء المأزومين عبر وسائل الاتصال المتاحة والقائمة بينكم, بأن يتخلصوا من نزعاتهم الانفصالية والعدوانية والإجرامية, ويلتزموا بالنظام والقانون, وبإمكانكم تبني أي قضايا أو حقوق مشروعة لهم, وبإمكانهم المطالبة بهذه الحقوق إن وُجدت عبر القنوات الرسمية وبالطرق والوسائل السلمية الديمقراطية بعيداً عن العنف والفوضى والتخريب والتآمر على الوطن ووحدته المباركة, وأنا هنا أؤكد بأن هناك أخطاءً أو تجاوزات قد تحدث, وهذا شيء طبيعي, ونحن مع سرعة تصحيحها ومعالجتها ومحاسبة المتورطين فيها..وهذه الأخطاء والتجاوزات موجودة في كل محافظات ومديريات الجمهورية, وليست مقتصرة على محافظات ومديريات محددة, كما يحاول البعض تصوير ذلك, لا بد أن تتكاتف الجهود, وتتضافر من أجل معالجة أوجه القصور ومكامن الخلل من منظور وطني خالص, إذا ما أردنا الخير والصلاح والتطور للبلاد والعباد, فالمسئولية جماعية, كل بحسب إمكانياته وقدراته, وهذه أسمى قيم الولاء والانتماء الوطني, والتي يجب أن نتحلى بها جميعاً سلطة ومعارضة. المحطة الثانية: السودان والمؤامرة «الأمريكو صهيونية» ماهي تفاصيل المؤامرة الأمريكو صهيونية, التي حيكت ضد السودان الشقيق, إذ تتضح وبجلاء أمام الجميع, وهاهم أعداء السودان وأعداء الوحدة العربية والتضامن والاتحاد العربي ينجحون في تقسيم السودان وفصل جنوبه عن شماله, وإقامة دولة جديدة في الجنوب أكثر ولاءً وإخلاصاً للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني المحتل, ولم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه, ولكن التآمر الأمريكي والصهيوني والتخاذل العربي قاد إلى هذه النهاية المؤلمة, والتي ذرف أبناء السودان الغيورون على وحدة وطنهم الدموع حزناً وحسرة لما آلت إليه, وهاهي الإدارة الأمريكية تسارع في الإعلان بأنها سترفع اسم السودان من قائمة الإرهاب فور استقلال الجنوب وإعلان الدولة الجديدة هناك, وفي ذات الاتجاه سارعت سلطات الكيان الصهيوني الغاشم بالإعلان بأنها سترتبط بعلاقات ثنائية قوية مع دولة الجنوب السوداني المنتظرة. ومن حقها أن تعلن ذلك مبكراً؛ لأنها من قامت باحتواء هؤلاء الارتداديين, الذين تآمروا على وحدة السودان, وأوصلوا الأوضاع إلى الانفصال.. وكم كنت أتمنى أن تبادر الأنظمة العربية باحتواء الموقف والتدخل المباشر لتقريب وجهات النظر ومعالجة ما يمكن معالجته, لما يصب في نهاية المطاف في الحفاظ على وحدة السودان دون الحاجة إلى الاكتفاء بالفرجة واللامبالاة,وأخشى ما أخشاه أن تغري حالة التخاذل, التي عليها الأنظمة العربية والعجز الواضح للجامعة العربية في احتواء الخلافات والقضايا العربية العربية الأعداء وتدفعهم إلى البحث عن ضحية جديدة لتمزيقها وتفكيك أوصالها, خدمة لأهداف وأطماع استعمارية.. المطلوب اليوم هو جعل الدرس السوداني محطة فاصلة يجب على الأنظمة العربية والجامعة العربية التوقف عندها؛ لأخذ العبرة والعظة والعمل على تحصين الجبهة العربية ضد أية مؤامرات شيطانية, قد تحاك من حين لآخر, والعمل على تمتين العلاقات وتوثيقها, وحل الخلافات والتباينات, التي تنشأ داخل الأنظمة العربية, أو تلك التي تنشأ داخل الدولة الواحدة لقطع الطريق أمام القوى الاستعمارية, التي تسعى جاهدة لخلخلة الوضع العربي وإذكاء الصراعات والنزاعات؛ ليخلو لها الجو لممارسة أعمالها التخريبية وتحقيق مصالحها وأهدافها داخل المنطقة العربية.. نريد استشعاراً للمسئولية المنوطة بالأنظمة العربية, والعمل على إعادة ترتيب البيت العربي, وصولاً إلى اللحظة التاريخية المنتظرة بإعلان قيام الوحدة العربية والاتحاد العربي, وهو الحلم الذي ينتظره كل العرب من المحيط إلى الخليج. المحطة الثالثة: محاربة الفساد ضرورة وطنية محاربة الفساد ضرورة وطنية من أجل المضي بالبلاد نحو آفاق رحبة من التطور والنماء, وفي بلادنا اتخذت القيادة السياسية خطوات جادة على هذا الصعيد, من خلال إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد, والتي بدأت بمهامها حسب الاختصاصات والصلاحيات المنوطة بها, حيث نقرأ في وسائل الإعلام قيام الهيئة بإحالة عدد من المسئولين إلى النيابة, وتوقيف البعض, وهذه خطوات إيجابية, والمؤمل أن يتم الإفصاح عن هوية هؤلاء الفاسدين, وإحالتهم للمحاكمة, ليكونوا عبرة لغيرهم, يتساوى في ذلك الجميع دونما تفريق بين فاسد صغير وفاسد كبير, فالفساد عدو التنمية, ومن يقوم بممارسته هم أعداء لليمن, ولا بد من اتخاذ الإجراءات الرادعة في حقهم, لنصل إلى يمنٍ خالٍ من الفساد.. اليمن الجديد الذي يكفل لليمنيين من المهرة في أقصى الجنوب الشرقي إلى صعدة في أقصى الشمال الغربي المستقبل الأفضل والحياة الكريمة والهانئة, التي ينشدها الجميع. [email protected]