لاتزال ردود الأفعال المتباينة بشأن قرار الجامعة العربية بشأن الأوضاع في سوريا ما بين مؤيد ومعارض, فالقوى المعارضة في سوريا رحبت بالقرار واعتبرته بمثابة انتصار لها وللجامعة العربية وذهبت هذه القوى إلى البحث وراء تدويل هذا القرار والاتجاه نحو مجلس الأمن من أجل فرض عقوبات على نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومعها في ذلك العديد من الدول الغربية والعربية المتحاملة على النظام السوري, وفي المقابل قوبل هذا القرار بمعارضة واسعة وتنديد واستنكار من قبل غالبية الشعب السوري والشعوب العربية التي ترى أن النظام السوري يمثل جبهة قومية عربية وأن استهدافه بهذه الصورة يكشف عن خيوط مؤامرة دولية تحاك ضد سوريا تشترك فيها العديد من الأطراف العربية, حيث خرجت مسيرات غضب عارمة في مختلف المحافظات والمدن السورية للتعبير عن رفضها لقرار جامعة الدول العربية وتأييدها لنظام الرئيس بشار الأسد, هذه المسيرات التي تعمدت بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي تتبنى تنفيذ الترويج لمشروع الشرق الأوسط الجديد إغفالها والتقليل منها من أجل دعم قرار الجامعة العربية الذي تم اتخاذه بطريقة غريبة تتناقض مع الميثاق العام للجامعة, فالقرار الجائر ضد سوريا والذي تضمن تعليق مشاركة الوفود السورية في أنشطة واجتماعات الجامعة والتهديد بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض والدعوة لوضع صيغة للمرحلة الانتقالية في سوريا وسحب السفراء العرب من دمشق وفرض عقوبات سياسية واقتصادية على سوريا ودعوة قوات الجيش السوري إلى الامتناع عن المشاركة في قتل المدنيين السوريين على حد تعبير من قاموا بصياغة القرار جاء في وقت كانت سوريا بصدد انتظار وصول وفد الجامعة للاطلاع على مدى تطبيق السلطات السورية لمضامين المبادرة العربية بشأن الأوضاع في سوريا, حيث بدا واضحاً للجميع أن تشكيل اللجنة العربية الخاصة بالبحث عن معالجات للأوضاع في سوريا والتي أصرت قوى النفوذ داخل الجامعة على أن ترأسها قطر رغم المعارضة السورية المسبقة لذلك لم يكن إلا ذريعة يتم من خلالها تبرير أية تصرفات يتم اتخاذها في حق سوريا لاحقاً بدليل أن اللجنة لم تكلف نفسها الاطلاع على أرض الواقع على حقيقة ما يجري في بعض المدن السورية وما قامت به السلطات السورية من إجراءات عملية وفقاً للمبادرة العربية والتي نصت على وقف العنف وسحب الجيش والآليات المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين والدخول في حوار مع المعارضة بشأن الإصلاحات والقضايا العالقة بين السلطة والمعارضة, ولكنها وكما كان مخططاً لها اعتمدت في تقريرها على التقارير الإخبارية التي تعرضها الفضائيات المتخصصة في إشغال الفتن والحرائق في المنطقة العربية وعلى المعلومات والصور المفبركة التي تتناقلها الفضائيات سالفة الذكر والتي تصلها من بعض المواقع الالكترونية السورية الممولة من قبل أعداء سوريا الذين يريدون الإطاحة بالنظام السوري من أجل أن يسهل عليهم تنفيذ أجندتهم وأهدافهم الخاصة وعلى ضوء ذلك أصدرت الجامعة قرارها المشؤوم، والمضحك أنها بررت ذلك بالعمل الذي من شأنه حماية المدنيين السوريين متجاهلة القوى المسلحة المناوئة للنظام السوري والتي تقوم بمواجهة قوات الجيش وإقلاق الأمن والسكينة في عدد من المحافظات والمدن السورية, وما يضحك أيضاً أنها بررت كل مضامين هذا القرار من أجل المدنيين السوريين رغم أنها في قرارها دعت إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على سوريا وعزلها عن المحيط العربي والتحريض على وحدة وتماسك الشعب السوري الشقيق, فكيف يجتمع الحرص على المدنيين مع الحصار عليهم ياجامعة العرب «الموقرة», لماذا جعلتم من حماية المدنيين في سوريا ذريعة لإصدار هذا القرار الجائر؟! هل يعقل أنكم استنفدتم كافة الخيارات التوافقية والحلول الأخوية الأخرى؟! وهل يعقل أن هذا هو الدور المنوط بكم وبجامعتكم التي تعاني من «المرض» المزمن؟! لا أعتقد أن ميثاق الجامعة العربية يُجيز لكم مثل هذا القرار وفي ظل المعطيات الراهنة للأوضاع في سوريا, نحن ضد قتل المدنيين في سوريا ونحن ضد الاعتداءات التي تعرضت لها بعض السفارات والقنصليات المعتمدة في دمشق العربية منها والغربية، ونحن ضد العنف وقمع الحقوق والحريات والاعتقالات التعسفية في سوريا وغيرها من الدول العربية والأجنبية, ونحن ضد أية مشاريع انقلابية أو مؤامرات تستهدف النيل من سيادة وأمن واستقرار أي قطر عربي تحت أي مسمى, ولا يمكن أن تكون دعاوى ومطالب التغيير والإصلاح التي ترفعها بعض القوى السياسية في هذا البلد أو ذاك شماعة يعلق عليها البعض مبررات التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان وبما يخالف الأنظمة والدساتير المعمول بها في تلك البلدان بما في ذلك جامعة الدول العربية, من المؤلم والمؤسف جداً أن تتحول الجامعة العربية إلى أداة تقوم بتفكيك وتقسيم الدول العربية والنيل من وحدتها وتماسكها وضرب مشروع العمل العربي المشترك, وصبّ الزيت على النار فيما يتعلق بالخلافات والتباينات التي قد تحدث بين القوى السياسية في إطار البلد العربي الواحد. كنا نأمل أن يكون تحرك الجامعة العربية المشبوه حيال الأزمة السورية مماثلاً لمواقفها المتخاذلة إزاء الاعتداءات الوحشية والإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني في حق أبناء فلسطينولبنان, كنا نأمل أن يتم إصدار قرار جريء من الجامعة تدعو فيه كل الدول العربية التي تربطها علاقات دبلوماسية أو اتفاقيات اقتصادية أو تربطها أي نوع من أنواع الشراكة والتعاون مع سلطات الكيان الصهيوني الغاصب بتعليق هذه العلاقات وسحب السفراء وتعليق العمل بهذه الاتفاقيات وإغلاق مكاتب التمثيل التجارية والاقتصادية عقب المذابح المأساوية التي تعرض لها أبناء قطاع غزة وجنوب لبنان جراء الهجمات العدوانية التي قامت بها السلطات الصهيونية وخلفت آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين ودمرت البنية التحتية وتسببت في تفاقم أوضاع المواطنين المعيشية، إذا كانت فعلاً تريد الانتصار للمواطنين المدنيين كما تدعي، وياللعجب كيف تدَّعي الجامعة العربية عندما تم احتلال العراق ومما هو حاصل في الصومال والسودان وغيرها من الدول العربية، أين الجامعة العربية عندما تم إعدام صدام ومعمر القذافي بتلكم الطريقة المهينة والمذلة للعرب جميعاً؟! أين الجامعة العربية من المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل ضد أبناء فلسطين واستخدامها لأكثر من مرة حق النقض «الفيتو» ضد أي مشروع قرار دولي يُدين إسرائيل والذي كان آخرها الفيتو ضد مشروع قرار بتجميد الاستطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية؟! لماذا لم تنتصر الجامعة العربية للمدنيين الفلسطينيين ولماذا لم تنتصر للمدنيين في البحرين؟! ولماذا تحولت الجامعة العربية إلى وكر للمؤامرات على الأنظمة العربية؟! أيعقل أنها أصبحت تدار من الدوحة وأن أمينها العام بمواقفه المتخاذلة هذه يرد الدين للقيادة القطرية نظير سحب مرشحها عبدالرحمن بن حمد العطية لمنصب الأمين العام للجامعة بعد أن تم استبعاد مرشح مصر الأول مصطفى الفقي قبل أن يتم التوافق على تسمية نبيل العربي كبديل عنه في مؤامرة احتضنتها أروقة الجامعة العربية بالقاهرة وتزعمتها دولة قطر العظمى. لقد سقطت الجامعة العربية في مستنقع التآمر ضد أعضائها وصارت قراراتها موجهة من قبل أرباب نعمتها في الداخل والخارج ولم يعد المواطن العربي يُعوّل عليها أي شيء يصب في مصلحته، وما موقف الجامعة العربية من الأزمة في سوريا رغم إدراكها بخصوصية الأوضاع في هذا القطر العربي الشقيق والدور الذي يلعبه في دعم المقاومة العربية في لبنانوفلسطين والحفاظ على ما تبقى من قيم ومبادئ القومية العربية إلا خير شاهد على الانحراف الخطير في مسار هذا الكيان العربي المريض والذي ظل منذ تأسيسه عاجزاً عن تلبية السقف الأدنى من آمال وطموحات وتطلعات الشارع العربي من المحيط إلى الخليج وبات دوره مقتصراً على الدعوة لعقد القمم والمؤتمرات العربية والاجتماعات الوزارية التي دائماً ما تخرج بيانات هزيلة وتوصيات عقيمة، علاوة على إسهامها في تغذية الخلافات والتباينات بين الدول الأعضاء من خلال الإنجاز لأطراف على حساب أطراف أخرى دون أن يكون لها أية مواقف توافقية في حل الخلافات والتباينات العربية أو تلك الخلافات الداخلية بين القوى السياسية داخل الدولة الواحدة، فالجامعة العربية اليوم لم تعد جامعة للعرب ولكنها غدت مُفرقة وممزقة لهم ونخشى أن تستمر على هذا النهج وخصوصاً في ظل الأوضاع والظروف الراهنة على مختلف الأصعدة وهو ما يهدد حلم الوحدة العربية الذي يراود مخيلة كل العرب ويُمثل المسمار الأخير الذي يُدق في نعش مشروع العمل العربي المشترك. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن.