أشفق كثيراً على الحالة المؤسفة التي وصلت إليها الجامعة العربية .. هذا الكيان العربي المريض الذي بات يعاني من حالة الموت السريري .. منذ تأسيسها في العام 1945م والجامعة العربية أشبه بالكيان الهش الذي لايمتلك أي صلاحيات تنفيذية تخدم الدول العربية المنتسبة إليها وماهو مكفول لها من صلاحيات تظل مغيبة وعدم مفعلة لأن القائمين عليها يريدون ذلك .. وعلى امتداد التاريخ المعاصر نجد أن الجامعة العربية اقتصر دورها على بيانات الشجب والتنديد للعدوان الوحشي المتكرر للكيان الصهيوني الغاشم على أبناء فلسطين ولبنان بالإضافة إلى الإعداد والتنظيم للقمم العربية وإعداد تقارير سنوية عن أعمال ورقية قامت بها الجامعة وتكاد تكون مكررة ومضامينها لاتقدم ولاتؤخر, وغالبية هذه القمم لا تخدم العمل العربي المشترك ولا تعزز من وحدة الصف العربي, بل على العكس الكثير منها يؤدي إلى اتساع هوة الخلافات والتباينات العربية العربية, وما يزيد الطين بلة أن تكون الجامعة العربية المنوط بها حل الخلافات التي تنشأ بين الدول العربية هي مصدر لتأزيم الأوضاع واتساع حدة الخلافات لهثاً وراء المصالح النفعية الرخيصة. فالكل تابع ذلكم الموقف المتخاذل للجامعة العربية وأمينها العام تجاه قمة غزة التي استضافتها قبل فترة دولة قطر ,حيث عملت الجامعة العربية على إثناء العديد من الزعماء العرب عن حضورها بناءً على رغبة مصر والسعودية وغيرها من الأنظمة العربية رغم أن الظروف التي كانت تمر بها المنطقة جراء استمرار العدوان على أبناء قطاع غزة كانت تحتّم انعقاد القمة, وما أكثر المواقف المتخاذلة للجامعة العربية والتي للأسف الشديد لاتقوم بأي مهام تتناسب مع حجم الدعم العربي السنوي الممنوح لها!!. ومما يؤسف له أن تظل الجامعة العربية وأمينها العام يعملان بسياسة الكيل بمكيالين إزاء القضايا والأحداث التي تشهدها الساحة العربية خدمةً لمصالح شخصية .. فالجامعة العربية لزمت الصمت حيال أعمال القمع التي قام بها النظام التونسي المخلوع تجاه أبناء الشعب التونسي ورغم المناشدات والنداءات والاستغاثات إلا أن الجامعة ظلت تنهج سياسة (مسك العصا من المنتصف) ولم يصدر منها أي توجه لحقن الدماء وإنهاء حالة الاحتقان القائمة هناك, إلى أن أسقط ثوار تونس بقيادة الشهيد الثائر محمد البوعزيزي الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي .. حينها خرج علينا عمرو موسى الأمين العام بتصريحات عبر من خلالها عن احترام الجامعة لإرادة الشعب التونسي. وفي مصر أثبتت الجامعة العربية أن عدمها مثل وجودها ولولا خشية النقمة الشعبية عليها لكانت أعلنت معارضتها للمظاهرات والاعتصامات التي طالبت برحيل مبارك وإسقاط نظامه, رغم أن مقر الجامعة في القاهرة وأمينها العام من أبناء الشعب المصري وهو أكثر دراية بمعاناة الشعب والممارسات الاستبدادية التي مارسها مبارك ونظامه في حق المصريين, وهو أقرب الناس ارتباطاً بهذا النظام ويعلم علم اليقين ما قام به من حصار لأبناء فلسطين من خلال إغلاق معبر رفح وقطع الإمدادات عن المقاومة من خلال تدمير الأنفاق وبناء الجدار العازل تحت الأرض والتآمر على وحدة الصف الفلسطيني وغيرها من الأعمال التي جعلت النظام المصري في نظر العالم أكثر حرصاً على أمن واستقرار إسرائيل من أبناء الشعب الفلسطيني. كل ذلك ولم تحرك الجامعة العربية ساكناً .. فمع اندلاع ثورة الشباب في 25 فبراير بدت الجامعة العربية وكأنها لاترى ولاتسمع ولاتتكلم ظناً منها أن نظام حسني مبارك الأمني والعسكري قادر على إخماد الثورة في أوساط الشباب وماهي إلا سحابة صيف سرعان ما ستمر وتنتهي هذه الاعتصامات, فأغرق النظام المصري في قتل المعتصمين والاعتداء عليهم في القاهرة والاسكندرية والمنصورة والمنوفية وغيرها من المحافظات والمدن المصرية والسيد عمرو موسى يراقب عن قرب منتظراً قرب ساعة الحسم لمصلحة السلطة الحاكمة ولكن إرادة الشباب المصري الثائر كسبت الرهان ونجحت في إسقاط مبارك ونظامه ووجهت صفعة قوية للجامعة العربية وأمينها العام الذي حاول في نهاية المطاف أن يسجل موقفاً مؤيداً للثورة من أجل مصلحته الشخصية, حيث رأي أن بإمكانه ركوب قطار الثورة والثوار لأن ذلك قد يشفع له في حال تقدمه للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وهو مادفعه إلى تأييد مطالب الشباب ومساندتهم. أما في ليبيا فقد اختلف الوضع ومع بدء المطالب الشعبية برحيل النظام الحاكم سارعت الجامعة إلى إدانة العنف من قبل السلطة في ليبيا وإدانة قمع المتظاهرين وقصف المدنيين واتخذت قراراً يطلب مجلس الأمن بفرض حظر جوي على الأجواء الليبية يمنع طائرات القذافي من قصف المواطنين وهو تصرف سريع بخلاف ماكان عليه الوضع في تونسوالبحرين في الوقت الذي كان بإمكان الجامعة التدخل المباشر من أجل حل الخلافات والتباينات بين فرقاء العمل السياسي على قاعدة “لاضرر ولاضرار” بعيداً عن الفرجة واللامبالاة. يؤسفنا في اليمن أن نسمع بعض الأصوات الخارجية التي تحاول إقحام نفسها في الشأن الداخلي اليمني, وكنا نأمل أن يكون للجامعة العربية إسهام في احتواء الأزمة وتقريب وجهات النظر, والأمر ذاته ينطبق على الأشقاء في البحرين فلا يوجد نظام سياسي يريد لدولته وشعبه عدم الاستقرار .. فلماذا تقف الجامعة العربية موقف المتفرج وهي تدرك جيداً أن هناك مؤامرات تحاك ضد الدول العربية هدفها إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد , إذن ما جدوى وجود هذا الكيان مادام على هذه الحالة المؤسفة جداً؟!. لقد آن الأوان لإعادة ترتيب وضع الجامعة العربية وبما يكفل تفعيل دورها وتعزيز أواصر العمل العربي المشترك, آن الأوان أن تتخلص الجامعة العربية من التبعية لبعض الأنظمة العربية وتنساق خلف تطلعات وطموحات وأحلام وآمال الشعوب العربية, آن الأوان بأن تكون الجامعة هي المرجعية لحل كافة القضايا العربية الثنائية والداخلية. نريد أن يلمس المواطن العربي دور ومكانة وأثر الجامعة العربية من المحيط إلى الخليج, ومن المؤسف أن نعول نحن العرب على مجلس الأمن الدولي للانتصار لقضايانا ومطالبنا المشروعة والعادلة, فهذا الكيان أسس من أجل خدمة إسرائيل والولاياتالمتحدة ومن سابع المستحيلات أن يصدر عنه أي قرارات تخدم العرب والمسلمين وتنتصر لمظلوميهم وإن حصل وصدر أي قرار فإنه يكون شكلياً وسرعان ما يواجه بالفيتو الأمريكي, كما هو حال القرارات التي تدين الصلف الصهيوني والتي لن يكون آخرها طبعاً الفيتو الخاص بقرار منع بناء المستوطنات في الضفة الغربية. إن انحياز مجلس الأمن الفاضح وتحوله إلى أداءة لتنفيذ أجندة الولاياتالمتحدة الاستعمارية والاستعبادية لم يعد مثار جدل أو خلاف, وعلى الأنظمة العربية أن تستخدم كل نفوذها ومقدراتها من أجل الضغط على هذا الكيان الدولي للتخلي عن انحيازه الفاضح للصهاينة والأمريكان ولامجال للجبن أو الخوف فرياح التغيير عاصفة وإن استمرت فلن تستثني أحداً ولن يجدي نفعاً مجلس الأمن أو الجامعة العربية .. ولذا فإن على الأنظمة العربية الابتعاد عن الكبر والغرور والعناد والعمل على تلمس أوضاع الشعوب والعمل على معالجتها بأي ثمن كان, وعليها أيضاً أن تراعي مصالح الشعوب وتستمع للنصائح والمقترحات الوطنية الصادقة التي ترد إليها من قبل المواطنين الشرفاء الغيورين على أوطانهم. الشعوب العربية تتوق للمزيد من مناخات الحرية والتعددية والتي بدورها تقود إلى حياة كريمة وهانئة وتبادل سلمي للسلطة بعيداً عن العنف والفوضى, وعلى الحكام العرب اليوم أن يدركوا جيداً أن محمد البوعزيزي كسر حاجز الخوف لدى الشعوب ولم يعد هناك وجود لرئيس أو زعيم أو أمير أو ملك يمتلك القدرة على مواجهة ثورة الشعوب, وعليهم أن يصلحوا أوضاعهم ويعملوا على تصحيح مسارهم إذا ما أرادوا الحصول على دعم ومؤازرة ومساندة الشعوب, مالم فليستعدوا للطوفان وليحزموا أمتعتهم وليتوقعوا أن تطيح بهم الشعوب في أي لحظة.