سؤال جدُّ مثير للجدل السياسي: هل العولمة امتداد للحداثة أم أنها تجسيد لحالة ما بعد الحداثة أم أنها ظاهرة جديدة كلياً لاعلاقة لها بالمفهومين المذكورين لا من بعيد ولا من قريب؟ في معرض تناول هذه الإشكالية نعود أولاً إلى ما جاء في مقالة بعنوان «العولمة.. جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها» هذا المثال للدكتور عبد الخالق عبدالله في مجلة «عالم الفكر» المجلد 1999-28، إذ يقول في هذا الصدد:«من المشروع الاعتقاد بأنها، أي العولمة، قد برزت مع بروز موجة الحداثة وتطورت مع تطورات الرأسمالية الحديثة على الصعيد العالمي ولقد أعادت ،أي الحداثة، ترتيب النظام العالمي وأسست بعد ذلك لحركة دمجه وصهره في اقتصاد عالمي واحد، لذا فإنه من المشروع الاعتقاد بأن العولمة طلعت على العالم من أوروبا في بداية القرن الثامن عشر وأخذت تمتد اقتصادياً وثقافياً في كل الاتجاهات وأثرت تأثيرات بليغة وعميقة في المجتمعات غير الأوروبية وبرزت على إثر ذلك فكرة النظام العالمي والذي كان في جوهره نظاماً اقتصادياً قائماً على أسس رأسمالية مركزه الدول الصناعية وهامشه الدول النامية والمصدرة للمواد الأولى». والعولمة إذن في ظل ما ذكره الدكتور عبدالخالق عبدالله تمثل امتداداً طبيعياً للحداثة ولكنها في الوقت نفسه تشكل تجاوزاً لها بل لعلها أقرب إلى مرحلة ما بعد الحداثة التي قامت فكرتها على الانطلاق من تجربة الحضارة الغربية ومن ثم إجراء مراجعة نقدية لها والتأسيس لوعي حضاري جديد أسسه تنوع الثقافات والتعددية السياسية والحضارية وقد تزامن اتجاه مابعد الحداثة مع صعود ظواهر جديدة تمثلت في انتقال الرأسمالية إلى طور الرأسمالية العابرة للقوميات وظهور وتطور مراكز رأسمالية عالمية جديدة ومتنافسة وانتشار النتائج العظيمة للثورة العملية التكنولوجية الثالثة وبزور طبقات اجتماعية جديدة. وجاء في المقال ذاته:«وبما أن العولمة هي تجسيد لكل هذه التطورات فإنها ترتبط بمرحلة ما بعد الحداثة أكثر من ارتباطها بمرحلة الحداثة فخلافاً للحداثة تفترض العولمة القفز فوق الحدود الجغرافية التي شيدتها الحداثة وجعلت منها مسلمات لا يمكن المساس بها كما أنها، أي العولمة، أحد أسس مفهوم الحداثة المتمثل بالدولة الأمة وتجعل مسألة السيادة الوطنية مسألة نسبية، لذلك لا يمكن وضع علامة مساواة بين العولمة والحداثة». وخلص المقال إلى أن للعولمة سمات تجعلها مختلفة عن الحداثة. ولها شروطها ومكوناتها وهي تستند إلى كون العالم أصبح أكثر ارتباطاً وتشابكاً واندماجاً من أي وقت مضى وان عالم العولمة يختلف عن عالم الحداثة في كونه عالماً أصبحت فيه حركة الأفراد والسلع والخدمات والمعلومات ورؤوس الأموال أسهل وأسرع بما لا يقاس إنه عالم كما يشير المقال تقلصت فيه المسافات وصار عالماً بلا حدود على عكس عالم الحداثة الذي يقدس هذه الحدود وبعد هذا المقال القيم عن الحداثة والعولمة جاء في سياق المقال في مجلة «العربي» الكويتية العدد 610 سبتمبر 2009م للدكتور محمد دياب - أكاديمي من لبنان الذي تناول بإسهاب قضية العولمة والحداثة حيث قال في مقالته القيمة:«كتب الكثير عن هذه الظاهرة، عن جذورها وظروف نشوئها وخصائصها وتجلياتها.. عن مداها وتأثيراتها العميقة على مختلف جوانب حياة الدول والشعوب ولكن المطروح بإلحاح هو: هل العولمة ظاهرة جديدة كلياً أم أنها امتداد لعمليات وتفاعلات وتطورات شهدها العالم خلال حقبات سابقة أم أنها حداثة جديدة للقرن العشرين؟ وأكد د. دياب في مقالته أنه بعد الحرب العالمية الثانية تعاظم تأثير الغرب ونمط الحضارة الغربية وكانت الحداثة بالنسبة للمجتمعات غير الغربية نوعاً من التحدي أو المحفز للسعي إلى الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث وأخذت الحداثة بهذا المعنى أشكالاً مختلفة استعمار، تعذيب، محاولات تماهٍ مع النموذج الغربي فهو لا يبعد كثيراً عما قاله مقال د.عبد الخالق عبد الله في مجلة «عالم الفكر» وهو المقال الذي يعتبر إضافة سياسية إلى مقالة د. دياب في مقالة «العربي» وإجابته واضحة للمقال المطروح من قبل د. دياب: هل العولمة هي امتداد للحداثة أم أنها ظاهرة جديدة كلياً لا علاقة لها بهما؟.