الأساس في نجاح الدراما التلفزيونية الطويلة أنها تستمد موضوعاتها من المجتمع وبطريقة تخلو من التكلّف والصنعة، وقد كان مسلسل «دالاس» الأمريكي الشهير بداية البداية على هذا الدرب، غير أن العديد من مراكز الانتاج الدرامي استطردت على تلك التجربة ونالت نجاحاً جماهيرياً مشهوداً. وتنطلق فكرة الدراما التي تعتمد على موديل الحلقة الأولى من منصة خلال حوار حميم يضم الكاتب والمخرج والسيناريست وكبير المصورين، حيث يجتمع هؤلاء لتدارس إمكانية تدشين إنتاج مسلسل تلفزيوني طويل، وتُقدم الفكرة الأساسية للقصة من قبل كاتبها، ومنها يستمد الحضور رؤية مبدئية تساعدهم على التحليق سويةً لتعمير الحلقة الأولى التي تصبح بمثابة موديل فعلي للانتاج، وهكذا يتم تصوير الحلقة دون معرفة مُسبقة بتفاصيل الحلقات التالية، ثم يُصار لاحقاً لاجتماعات تشاورية مُتتالية تخرج منها الحلقات تباعاً، وهكذا يستمر العمل على قاعدة الإمساك بمحتوى الفكرة الأصلية مع تطوير التفاصيل بناءً على التشاور المستمر . الطريف في هذا الأُسلوب أن المُتشاورين المتحاورين يستمدون تفاصيل حلقاتهم من الحياة اليومية، ويتمكنون من تحقيق قدر كبير من التفاعل التلقائي بين العمل الفني والمُشاهد، وهذا هو سر نجاح المسلسلات الطويلة التي لم يلج العرب بعد إلى عوالمها .. تلك العوالم التي تجمع بين المغامرة الفنية والرويّة المحكومة بالتشاور، والبحث الدؤوب عن أفضل الطرق لشد انتباه المشاهدين واستغراقهم الفعلي في متابعة العمل الفني الشبيه بكوموتراجيديا الحياة اليومية للبشر . الدراما التلفزيونية التي تعتمد على موديل الحلقة الأولى تتطلب شروطاً إبداعية تخص هيئة أركانها وصانعيها، ولهذا السبب تتوسّع أحياناً دائرة التشاور لتشمل الممثلين الرئيسيين، وربما بعض الفنيين المعنيين بالمؤثرات الصوتية والضوئية، وبهذا الشكل يتحقق الهدف من العمل . هذا النجاح الشكلي التقني للعمل لايعني بالضرورة إنه يحمل رسالة سامية وهادفة، ولا يعني أيضاً أنه يخلو من ذلك، فحسابات المضمون تسير في خط يتوازى أحياناً مع الروحية الفنية للعمل، ويغايره أحايين أُخرى. خلال السنوات الماضية وقفنا على تجارب لاتين اميركية، واخرى تركية ، ولعلنا سنجد انفسنا متجولين في كال أرجاء العالم وفق متوالية المسلسلات الطويلة التي يستغرق في مشاهدتها ربات البيوت، وكثرة كاثرة من الفتيات المراهقات اللائي يقبعن أمام الشاشة السحرية للتلفزيون، ليعشن واقعاً افتراضياً أقوى من الواقع. وإذا تخيلنا إمكانية تقديم هذه المطولات الدرامية عبر الوسائط المتعددة، فلكم ان تتصوروا ماهو الزمن الجديد الذي سيعيشه إنسان ما بعد الإنسان .. ذلك المجرور من أنفه إلى متاهة الواقع الافتراضي.