حين قال اسحق نيوتن «وجدتها» كانت التفاحة قد أسقطت معها قضية علمية كبيرة لم يلحظها أحد إلا هو، وأصبحت تلك التفاحة زينة الموائد ونكهة الصحة وربما توجت ملكة على عرش الجمال دون علم منها بتلك الجلبة التي أحدثتها حين تدلّت بغرور أمام رجل مستلق دون شجرة ثم سقطت بين يديه ليكتشف سرها ثم يلتهمها بشراهة. الحياة أيضاً بكل مافيها من تفاصيل صغيرة كانت أم كبيرة تشبه القصة الحمراء المستديرة ذات المذاق اللذيذ للجاذبية الأرضية.. نحن لانملك من أمر القدر شيئاً لكننا فقط نؤمن بأن وقوعه حق، ولهذا أقول إن الحياة تخفي الكثير من الأسباب الكامنة وراء مايحدث لنا من خير أو شر، لولا إرادة القدر في اكتشاف الجاذبية لكان سقوط التفاحة حدثاً عابراً ولنعمت بكتيريا الأرض بوجبة دسمة كما يحدث كل يوم مع ثمار لابد أن تسقط أرضاً إذا لم تقطف في أوانها المحدد.. حتى مشاعرنا الدافئة الناعمة والنائمة تحت سقوف قلوبنا لابد أن تسقط بدلال، لكن ليس على الأرض إنما على جوارح الجسد حتى توقظ مانام منها طويلاً وتشعل ما انطفأ منها كثيراً.. جاذبية الأرض لاتختلف عن جاذبية البشر لبعضهم البعض كلاهما يشدنا إليه لنبقى على صلة دائمة به لكن الذي يميز كلاهما عن الآخر أن جاذبية الأرض تشدنا إلى أسفل بينما تشدنا جاذبية الآخرين إلى الأعلى دائماً فهم رموز قوية جداً للتعلق والاقتداء والتقليد وحتى المحاكاة التي نمر بها صغاراً وتمر بنا كباراً. كلنا يقول في ذاته «وجدتها» حين يلقى نصفه الآخر بالرغم من أن من نجدهم لايشكلون اكتشافاً عبقرياً في حياتنا بقدر مانكون نحن اكتشافاً عبقرياً في حياتهم ليس استعلاء أو غروراً إنما لأننا حين نجدهم نجد أنفسنا قبل كل شيء لكن في أعينهم هم، ما أحوجنا للحصول على شيء يشعرنا بفتنة البقاء الذكي الذي يوظف حواس العقل لصالح الجسد دون أن يعطل استشراء أحاسيسنا تحت مساحة الجلد التي تغشت جثمان الرغبات الكامنة.. كانت “وجدتها” ولازالت بوابة مفتوحة للعلم لن تغلق أبداً، والحال ذاته معنا حين نقول:«وجدتها» إذ تصبح قلوبنا مفتوحة للحب على اختلاف أشكاله وألوانه ابتداء بحب السماء الذي لاتناله إلا القلوب الخالية من حب سواه وانتهاءً بحب الأرض الذي لايختبئ في قلوبنا فقط إنما يتسكع بين جوارحنا، يراقص أمانينا، يستنشق عبق أنفاسنا ثم يتدحرج ليقع واقفاً بين أيدينا.. الحياة كلها اكتشافات وحتى نحصل على حدث عظيم يوقظ جمودنا لابد أن يكون العقل هو الحكم، أما القلوب فهي من يعطي براءة الإختراع في النهاية.. لكنها أبداً لاتخترع أو تبتكر أو تكتشف ولهذا نحن نقف أمامها دائماً بينما تبقى هي في الخلف. قد تمر سنوات طويلة ونحن متخمون بعلاقات مختلفة الطعم والشكل واللون لانستطيع إرسال بعضها إلى سلة المهملات خوفاً على مشاعر الآخرين أو خوفاً على مشاعرنا نحن، وهذا مايجعل نظرتنا إلى القلوب الخاوية نظرة غبطة خالية من الحسد. تلك العلاقات التي يرتبط بها كل من له علاقة بمجتمعنا سواءً كان داخل المنزل أو خارجه تشكل خارطة الوصول إلى اكتشاف الجميل وترك القبيح لمن يكتشفه من الناس.. إنها عملية غربلة مستمرة لكنها في أغلب الأوقات تسقط السمين وتترك الغث ليطفو على سطح حياتنا دون إرادة.. لاتقولوا “وجدتها” كلما رأيتم تفاحة متحركة أمام أعينكم.. فلربما كانت تلك هي التفاحة المحرمة!.