يجب عدم النظر إلى الديمقراطية إلا بوصفها منظومة متكاملة من الإجراءات والأفكار والقيم والآليات التي تكفل إدارة الدول بقدر أقصى من العدالة والحرية وبقدر أقل من الصراع على السلطة، فالديمقراطية تحول الصراع إلى تنافس شريف وتدافع منهجي منظم، وتلغي أحادية المسار لتضع الشعب أمام جملة من الخيارات المتاحة، وتخفف المركزية الشديدة لتمنح الفروع صلاحيات إدارة الشأن العام وفقاً لخصوصية الوحدات والأقاليم المختلفة. تعمل الديمقراطية من خلال حرية الإعلام على كشف بؤر الفساد وتعرية المافيات المختلفة وتعطي للفرد حق المشاركة في صنع القرار من خلال الاحتجاجات والانتخابات بحيث لا يبقى الشأن العام حكراً على فئة محددة. وهي بهذا تعزز التنمية المستدامة من خلال تعبئة الرأي العام وراء الأفكار الإيجابية وشجب الظواهر السلبية وتوفير مناخ صحي لتداول الأفكار وتدوير المناصب، وضخ دماء جديدة في شرايين المجتمع من خلال انعقاد الانتخابات بمستوياتها المختلفة، وبذلك نضمن تجدد الرؤى وتلاقح الأفكار وتكامل الوسائل للرقي بالمجتمع. وعلينا أن ندرك أن الديمقراطية منهج حياة وطريقة في العيش، يبدأ الالتزام بها في البيت والمدرسة والشارع لتتحول إلى ثقافة مشتركة بين أبناء المجتمع تمارس من خلالها كل مفردات الحياة، ومن هنا تقع المسئولية على الآباء والمدرسين في تعميم هذه الثقافة، فعلى المدرس إكساب التلاميذ حرية التعبير والاختيار الحر لرؤساء الفصول مثلاً، وعلى الأب أن يتخلى عن ديكتاتوريته في إدارة منزله ليربي أبناءه على فضيلة الاعتراف بآراء الآخرين. وبالمقابل فإن المسئولية هي الضمانة الحقيقية لعدم انحراف الديمقراطية عن مسارها الحيوي والتحول إلى فوضى مدمرة، ولذلك يجب أن تترافق الديمقراطية بحركة تثقيفية نشطة يتولاها الإعلام والمدرسة ومنبر المسجد، كما يجب أن تكون القوانين واضحة بحيث يتم تأطير المسار الديمقراطي بجملة من الضوابط لتوفير مناعة قانونية ضد من يحاول إساءة استخدام هذا الحق الطبيعي للشعب. تخلق الديمقراطية حراكاً سياسياً واجتماعياً وهي نقيض القدرية التاريخية، إذ لا يعود الفقر والبطالة سوى نتيجة آلية لأعطاب هيكلية وليس قدراً محتماً. إننا حينما نمنع حرية امتلاك وسائل الإعلام فإننا نفرغ الديمقراطية من مضمونها ونلتف عليها وندفع بالناس إلى طريق العنف كما أن زيادة وسائل الإعلام تعني مزيداً من الفرص المتاحة لتوظيف الشباب. لا تستقيم الديمقراطية مع منهج الاستتباع أو الإقصاء أو التهميش.