السؤال إذا كانت آلة الحديد من سيارة وسكين لا تملك الإرادة فتفعل ما نشاء ولا تفعل ما تشاء؛ فيمكن لأي إنسان يعرف القيادة أن يسوق سيارة أي إنسان دون ملكية، وعندما تفقد الأمة قدرة تقرير المصير تنتقل ملكيتها من يد مغامر لآخر، كما تمسك أي يد بأي نصل فتقطع به. فلم نسمع في يوم أن السكينة ناقشت صاحبها أن ما يفعله حرام أو ضار أو لا يجوز, كما لم تناقش أي سيارة من يشغِّلها هل هو ذكر أم أنثى يملكها أو لا. وإذا كان هذا يصدق على الآلة فهو يسري في عالم الحيوان المحكوم بسلاسل الغريزة؛ فالنحلة تتفاهم مع الأخريات بإيقاع الرقص في غريزة مطبقة, وإذا خطر في بالها أن تطالب بحرية النحل برقصة جديدة فإن جمهورها قد يستمتع بالرقصة كثيراً ولكنه لا يستطيع فهمها لأنه جمهور محصن غريزياً ضد فكرة الحرية بالذات. ما الفرق إذاً بين الآلة والحشرة والإنسان؟! يعتبر روبرت آغروس في كتابه “قصة العلوم” الذي ترجم في سلسلة عالم المعرفة إلى عنوان «العلم في منظوره الجديد» أن النباتات تحرك نفسها ولكنها لا تدري إلى أين تمضي, والحيوانات تدرك إلى أين تمضي, ولكنها لا تعرف السبب. ولإكمال مراتب الأحياء لابد من مخلوقات لا تعرف فقط إلى أين تمضي, ولكن لماذا تمضي أيضاً؟ ونحن البشر نشكل هذه المخلوقات، والملكة التي تمكننا من فهم علل الأشياء تسمى العقل. الآلة فيها القصور الذاتي, والحشرة محصنة بآلية الغريزة, والإنسان يملك الإرادة؛ فإذا فقدها مات, فوجب إحياؤه من جديد بتوليد الإرادة عنده وهو ما جاء به الأنبياء بعتق الإرادة من سلطان الإنس والجان. واعتبر القرآن أن الإيمان هو ولادة جديدة وخروج من رحم الموت “أومن كان ميتاً فأحييناه” من هنا كانت الشهادة تبدأ بالنفي لكل إله قبل الاعتراف بإله أحد صمد، ولم يكن للمؤمن أن يقترب من الله قبل أن يرفض الطاعة قبل السجود “كلا لا تطعه واسجد واقترب”. إن بلالاً كان عبداً, ولكن الحرية هي رصيد في النفوس قبل أن تكون مرسوماً على الجلد أو مكتوباً في الهوية الشخصية, وما كان يذوقه بلال وهو يعذب ويقول: “أحد أحد” لا نعرفه نحن الذين نشأنا في بيئات نسمي أنفسنا فيها أحراراً. اجتمعت برجلين قد أخلصا الود بأكثر من كليلة ودمنة, فقمت بتجربة عليهما فقلت للأول: أكنت فاعلاً شراً بأخيك لو طلب منك ذلك؟! رد بانفعال: معاذ الله. قلت له: لو وضعنا في يدك مسدساً وصوبنا إلى صدغك مسدساً ثم طلبنا منك قتل أخيك فإن لم تقتله قتلناك، أكنت قاتله؟!. تردد وفكر وقدر ثم تلعثم ثم اعترف: نعم.. ولكن؟! ثم ذرب لسانه بعشرات الحجج في قفص اتهام يبرر فعلته. كان الرجل صادقاً فنحن في العالم العربي نفعل كلنا هذا يومياً.. إنها الأوامر لا راد لقضائها ولا معقب لحكمها ولا مناقشة لحيثياتها!.