في كل الحواضر العربية مازال الجدل غير الخلاق سائداً حول ماهية الشعر والشعريّة ، والفصل “ الإجرائي” بين القصيدة المُشعرنة بالروي والقافية، وتلك التي تخطّت التفعيلة للنثر، وكأنما شعرية الشعر نابعة من اللازمة الموسيقية الظاهرة، وكأنما اللغة بذاتها ليست مُشعْرنة بتراتب صوتياتها، حركةً وسكوناً لازمين متلازمين كتلازم «الدُم ، والتاك» في الايقاع. الشعر مقام مخصوص بالكلام الذي من كلامنا، وليس من كلامنا.. مقام يتموسق باللغة المجردة، سواء كانت في إطار التفعيلة والقافية أو خارجها. في التاريخ العربي أسماء وقامات نثرت الشعر وأشْعرت النثر، نذكر منهم مثالاً لا حصراً أُمية ابن أبي الصلت الجاهلي صاحب الآثار الشعرية والنثرية، والامام علي ابن أبي طالب في ما نُسب له من نصوص نثرية رفيعة القيمة ، والحلاج الصوفي البوّاح الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وابي حيان التوحيدي صاحب الاشارات الإلهية، وفي عصرنا الشاعر والفنان جبران خليل جبران. في النصوص النثرية لمن ذكرناهم شحنة شعرية مستمدة من اللغة ومتواليات تمظهرها الدلالي والفني، مما يؤكد أن القيمة الغنائية في النص تكمن في الحرف أولاً، وفي الكلمة ثانياً، ثم الجملة بوصفها جماع أنساق المعنى والمبنى. [email protected]