يتجاهل الكثير من الرجال والنساء, الأمهات والآباء أن الأمان المنزلي والطمأنينة الأسرية هي مفتاح لحياة نفسية سلوكية جيدة ينعم بها الأبناء في سنوات عمرهم القادمة دون الحاجة إلى دفع الثمن بإسقاط معاناتهم الماضية على أفراد أسرهم في المستقبل. وليس هذا فحسب بل إن الأمان الأسري يدفع الأبناء والبنات إلى المضي بقوة علمياً وفكرياً حيث تتكون لديهم شخصيات قوية مستقلة قادرة على اتخاذ أدق قرارات الحياة صعوبة بمنتهى الهدوء والعقلانية, والعكس من ذلك فإن الانفجارات الأسرية والألغام المنزلية الموقوتة والرصاصات الطائشة التي قد تصيب الهدف وقد لا تصيبه والتي يتفوه بها الوالدان دون شعور بأن هناك أزهاراً تذبل لمجرد أن يمسها غبار القهر أو تمر على أوراقها الغضة قطرات الألم, فهذه بالتأكيد تجرح لدى الأبناء الإحساس بالثقة والاستقلال الفكري وقد تقودهم إلى حالة من الرهاب الاجتماعي وهي التي يسميها علماء النفس العزلة الاجتماعية أو الانطواء الاجتماعي والشعور بالقلق في حال وجود الآخرين. ويُعد الطلاق أحد اكبر الأسباب المؤدية إلى ذلك إذ أنهُ من أبغض المشاكل الأسرية التي تتلف أركان المنزل بمن فيه تماماً كما يفعل أسوأ أنواع المرض حين ينتشر في أنحاء الجسد بلا رحمة ليتلفه عضواً بعد الآخر. ولم أجد مثل الطلاق مما يدخل الهم على الأبناء ويسقيهم كأس الحرمان الفارغة ولهذا يجب أن نشدد على ضرورة أن يتمتع الوالدان ولو بجزء يسير من الوعي بحيث يتحول انفصال الوالدين عن بعضهما إلى بداية حياة في نظر الأبناء وليس نهايتها .. وكما يقال “هناك طلاق ناجح” وأنا شخصياً أومن بهذا إذ إن كثيراً من أمور الحياة لا تحتمل الضغط بقوة لأنها قابلة للانفجار في أي لحظة, ومن الجميل أن يتصف المرء بالعقلانية وبعض الإنسانية في طرح الحلول الممكنة لمثل هذه القضايا بحيث ترجع مصلحة الأولاد أولاً ثم يأتي دور كلا الزوجين في الحصول على حقه في الحياة. والذي يحدث غالباً أن الآباء قد يلجؤون إلى البحث عن امرأة أخرى بينما تظل المرأة راعية خارج الحمى وتخشى أن تقع فيه! والأمر لا يتوقف عند حرمان المرأة من حقها العاطفي فقط, بل إن الطلاق عندنا لا زال غير موثق ولا يتم في إطار كما يتم عقد الزواج, وذلك هروباً من دفع حقوق المرأة وإعطائها ما تستحق من التكريم على الأقل كمكافأة نهاية خدمة! أو على أقل تقدير بدل هزائم نفسية وجسدية ومعنوية مريرة لا يعرفها الرجال سواء كانوا أزواجاً أو قضاة أو محامين أو أمناء شرعيين.. وكان من أغرب ما رأيت قريباً في إحدى حالات الطلاق أن يذهب الزوج إلى الأمين الشرعي ويطلق زوجته وهي لا تعلم عن أمره شيئاً ويكتفي الأمين بأخذ بيانات الزوج دون سماع رأي الزوجة أو أخذ بياناتها منها شخصياً. بل إنني قد اطّلعت على ورقة الطلاق وليس فيها أي حقوق تذكر لصالح المرأة وعندها فقط أحسست أنها ورقة من جهنم لما فيها من العبودية والإجحاف والظلم, حيث ذكر فيها أن الأمين قد حاول الإصلاح بين الزوجين وهذا لم يحدث إطلاقاً. إننا بحاجة ماسة لوجود محاكم الأسرة التي قد تعين المرأة في الحصول على حقها في الحضانة والسكن وتربية الأولاد تربية صالحة. أذكر أيضاً أن أحد الأمناء لم يتعاون مع امرأة مطلقة لإعطائها وثيقة الطلاق كإثبات لحالة شخصية تحتاجها المرأة أكثر من الرجل في حال الارتباط برجل آخر أو سعيها للحصول على أوراق رسمية ثبوتية كجواز سفر أو بطاقة شخصية مثلاً، الأمين أرشدها إلى المحكمة لاستخراج ورقة رسمية ومن ثم تقديمها له للحصول على ورقة الطلاق رسمياً وحين أوضحت له المرأة أن المحاكم لا ترحم المرأة ولا تتعامل معها بجدية قال لها بالحرف وفي وجودي شخصياً: “ أنتِ وشطارتك” فإذا كانت شطارة المرأة هي الفيصل في كسب الرجل زوجاً أو الانفصال عنه كرجل غريب فماذا سنبقي للقضاة والمحامين والأمناء؟! ألا يجب أن يتمتع هؤلاء بالشطارة ؟ على الأقل شطارة نظيفة خالية من الرشوة والنفاق والتدليس وصب المصلحة كلها في كفة الرجل مع إبقاء المرأة طرفاً ثانوياً في قضية أساسها المرأة ! فهل كان هذا الرجل أباً بين عشية وضحاها؟ ألم تكن هناك امرأة تحمل وتضع وتربي وترشد؟! ألا يفكر هؤلاء ما مصير أطفال ذنبهم الوحيد وجرمهم الفريد أنهم يحملون أسماء لآباء ليس لهم قلوب كقلوب البشر؟! ترى من يكترث لأمر هؤلاء الطاهرات العفيفات اللاتي صبغهن الطلاق بصبغة الفجور والرذيلة وهن بريئات منها كل البراءة ؟ ولماذا نكرس الجهد حول قضايا ليست ذات أهمية على حساب قضايا تكاد تطيح بعرش الفضيلة التي هي رأس مال المجتمع الحقيقي المتحضر؟!.