يفضل الأتراك أن يصفوا الراحل نجم الدين أربكان بأنه نجم تركيا الحديثة، فهذا الرجل، الذي انتقل إلى رحمة الله قبل بضعة أيام عن عمر تجاوز الثمانين عاماً، هو الذي أوصل الصناعة التركية الثقيلة إلى ماهي عليها اليوم, وكانت بدايته في هذا المجال في ألمانيا حيث كان له دور فاعل في صناعة وتطوير دبابة مائية أصبحت من أشهر الطُّرُز في أوروبا وأمريكا. ومنذ بداية مشواره هذا جعل تطوير تركيا نصب عينيه, وقرر أن يخوض المعركة الصناعية إلى جانب كفاحه من أجل إعادة القيم الاسلامية إلى النظام التركي مبكراً، لمّا رأى أن العلمانيين وعلى رأسهم الجيش سيطروا على القرار وذهبوا إلى أبعد مدى في محو الحضارة العثمانية الاسلامية التي ازدهرت لقرون من السنين وامتدت إلى شرق أوروبا وشمال افريقيا وجنوب وشمال الجزيرة العربية وحطمت الغزاة في أكثر من مكان. فيعزى إلى نجم الدين أربكان الذي عزله الجيش من رئاسة وزراء تركيا عام 96م وحبسه وألغى حزبه «حزب الفضيلة» كونه يهدد علمانية تركيا التي أسسها مصطفى أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى، آملاً أن يحظى بالقرب من أوروبا وصولاً إلى أن تصبح تركيا فيما بعد دولة أوروبية اقتصادياً وصناعياً وسياسياً وثقافياً وتعليمياً. وعمل من بعد القادة الأتراك العسكريون على حظر الأحزاب الاسلامية وقمع كل من يدعو إلى العودة للجذور الاسلامية التي كانت مهمة للعثمانيين في كل مجال في كل تلك المجالات، فأقاموا حضارة راقية عظيمة تتحدث عنها المعالم الاسلامية من مساجد ومآذن وثقافة وخطط للنهوض بالأمة وتعزيز قدرة الإسلام في تحرير الشعوب المضطهدة ومن بينها شعوب أوروبا الشرقية التي تسمى شعوب أو دول البلقان، وكان لهم ماأرادوا إلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى والثانية وحدث التقسيم والتقاسم من الامبراطوريتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا ومن بعدهما الولاياتالمتحدة والتي شكلت تحالفاً ضد النازية وتقاسم ألمانيا بينها وبين الاتحاد السوفيتي السابق عام 1945م. إن موت نجم الدين أربكان خسارة كبيرة ليس لتركيا وإنما للعالم الاسلامي, فقد ظل حتى وهو في آخر حياته يعمل من أجل توحيد الأمة الاسلامية ويتطلع إلى تحرير فلسطين مستلهماً مواقف السلطان عبدالحميد آخر سلاطين الامبراطورية العثمانية التي وقفت وحدها ضد أطماع الصهيونية العالمية في فلسطين وفي كل الأقطار العربية، لأن عبدالحميد وأربكان عرفا الأسرار والخطط التي أعدت منذ بداية القرن العشرين لتشتيت المسلمين والعرب بزرع الفتن ونشر الطائفية والانحلال والعداء للدين وكان لهما ما أرادا والدليل على ذلك مايجري اليوم في أكثر من قطر لايخدم إلا تكريس الوجود الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية بأكملها.