لا مفر من الإقرار بأن المشهد الماثل في العالم العربي سيوصل إلى مرحلة انتقال تتسم بقدر كبير من المخاض العسير، فحسب المنطق الشكلي والعقلي تكون النتائج استتباعاً مؤكداً للمقدمات، ولأن المقدمات اتسمت بقدر كبير من تجاوز معايير الدولة العصرية الرائية للمواطن، بوصفه الوسيلة والهدف من التنمية، فقد وقع النظام العربي في مأزق التجاوز للإنسان، بل بالغ في تهميش البشر حتى أن بعض الناس لا هوية لهم في البلدان العربية، فمن ظاهرة “ البدون” في بعض الدول العربية ممن لا جنسية لهم، لأنهم من منحدرين من أصول إقليمية أُخرى، وصولاً إلى المراتبية غير المعلنة في كثرة كاثرة من بلدان العرب المقيمة في مرابع متاهاتها . لقد ضيّقوا واسعاً، وحاصروا البشر في أرزاقهم على وفرتها، وتقلّصت المساحات على رحابتها، وأصبح همُّ النظام العربي أن يضع الناس في بؤرة اللُّهاث وراء التميز النسبي، ولو كان على حساب المواطنة والحق والواجب، وهكذا انخرط الملايين في الإساءة إلى بعضهم البعض من خلال دونية متبادلة، مقابل تفاخر مزيف بالقبيلة والسلالة . لكن هذه المظاهر برمتها لم تكن نابعة من نواميس التاريخ والحقيقة، بل من الامتيازات المادية غير المشروعة التي نالها نفر من الناس على حساب الملايين، حتى أن انهيار نظامي مصر وتونس كشف الفداحات المالية والفساد الذي ابتلع إمكانيات البلاد والعباد، مما سنرى المزيد منه في مقبل الأيام . [email protected]