من حق الكثيرين أن يشعروا بخيبة أمل بالغة تجاه مآلات الربيع العربي، وذلك استناداً إلى الأماني والأمنيات الحالمة بمجتمع جديد يتلافى عيوب الماضي، لكنّ ذلك لا يمنعنا من القول: إن المُتغيِّر الإصلاحي في العالم العربي قادم لا محالة، والمخاض العسير الذي تمرُّ به الأمة يُعبِّر عن معنى السفر وفق قوانين التاريخ الموضوعية.. تلك التي ألهمت علماء الجدل الفلسفي الكبار، ومنه استمدوا التعاميم الفكرية الرائية للانتقالات الصاعدة في المجتمعات البشرية. ولسنا هنا بصدد استعادة مثل تلك القوانين التي لم يخترعها أحد من المفكرين والعلماء، بل استمدوها حصراً وأساساً من القوانين الإلهية السارية في الطبيعة، والقادمة من اللا مكان واللا زمان.. تلك القوانين لا تطال الطبيعة المجرّدة فحسب، بل الإنسان وتاريخه ومجتمعاته.. لأنه جزء لا يتجزأ من نواميس الجَبْر الإلهي التي لا مفر من الانصياع لها، طوعاً أو كرهاً. الربيع العربي جاء عطفاً على الصدفة التاريخية التونسية، ذات الأصل الجوهري في ضرورات ومقدمات المجتمع الأمني الذي فرضته مؤسسة «الفوبيا المرضية»، واستتباعاتها الباهظة على الأرض، وفيما كانت تونس تغرق في لُجَّة الضرورة الموضوعية، بدأ السيناريو التونسي يعُم بقية الجمهوريات الأتوقراطية العربية، لنرى مشهداً مأساوياً وملهاوياً.. يؤكد على وحدة الموت والقتل والدمار، بدلاً من وحدة الحياة والنماء والازدهار. ذلك ما جرى ويجري في مصر واليمن وليبيا وسوريا والسودان، كما يعتمل في أُفقٍ ما، في كامل المشهد البالي لمرابع عربية أُخرى تسبح في ذات المياه الآسنة، وتتأبَّى حتى اللحظة في الانصياع لقوانين التاريخ وضروراته. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك