الربيع العربي مصطلح أوروبي بامتياز، وهذا المصطلح تاق واضعوه إلى مقارنة بين ربيع براغ وربيع العرب، غير أن أوروبا التاريخية تختلف عن العالم العربي، وخاصة في البُعد الثقافي المقرون بقابلية التحول السريع ، كما حدث في عديد البلدان من شرق ووسط أوروبا. وبغض النظر عن التفاوت الذي أشرنا إليه، يُمثل الربيع العربي ظاهرة تاريخية جبرية نابعة من تراكم الاخفاقات والمظالم في بلدان العرب التي اصطلت بنيران الاستبداد والتهميش والقهر الاجتماعي والعنف النفسي، وهكذا بدت “الصُّدفة” التي نبعت من جنوبتونس بمثابة ضرورة تاريخية تذكرنا بمقولة “دهاء التاريخ”، فالحالة التونسية المداهمة تكررت في جُل بلدان الجمهوريات العربية “الاتوقراطية”، عبر مربع الانتفاضة الشعبية العارمة التي اختلط فيها الحابل بالنابل، كما تقتضي طبيعة الأمور. ما وصلت إليه الأحوال في بلدان العرب التي شهدت عاصفة الربيع لا تحمل المآلات الختامية للظاهرة، فالأمر ما زال سجالاً، وقوانين التاريخ لا تعترف بالأماني والآمال، بل بالحقائق النابعة من تراجيديا المخاضات العسيرة، وهذا أمر لا يختص به العرب، فقد عرفت أوروبا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، على مدى التاريخ المعروف، ذات الدرب العسير، وصولاً إلى المجتمع الراشد. الحالة السورية تعبير مُكثَّف عن التفاوتات النسبية في مرجعيات وآليات الأنظمة العربية التي داهمها قانون التاريخ، والحقائق الموضوعية، وقد كان النظام السوري وما يزال يمثل النموذج الأكثر فولكلورية في ثقافة القمع والعنف النفسي والمعنوي، كما أنه نظام تموْضع في اطار جغرافيا سياسية خدمته لأبعد الحدود، حتى أن الالتباس الأمريكي الروسي في المعادلة السورية يكاد أن يرقى إلى مستوى الصراع المكبوت وراء غلالات الدبلوماسية الناعمة، ومن المؤكد أن حسابات “إسرائيل الأمريكية” داخلة في الإطار، والشاهد على ذلك الطُّعم الروسي الشهي، الخاص بتقديم ملف إزالة الأسلحة الكيماوية السورية، كمُعادل لترضية إسرائيل أولاً، ومنع الولاياتالمتحدة ثانياً من القيام بعمل عسكري مباشر ضد النظام السوري . هذا على المستوى الخارجي الذي تنخرط فيه ضمناً الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا وإيران، في إطار حسابات وأجندات خاصة لكل طرف. لكن العاملين الإقليمي والدولي لا يعنيان كل شيء على أهميتهما البالغة، فالعامل الداخلي هو الذي سيحسم الصراع عاجلاً أم آجلاً. [email protected]