قال الشيخ محيي الدين ابن عربي: (من تعب من الفكر وقف حيث تعب؛ فمنهم من وقف في التعطيل، ومنهم من وقف في القول بالعلل، ومنهم من وقف في التشبيه، ومنهم من وقف في الحيرة فقال: (لا أدري)، ومنهم من عثر على وجه الدليل فوقف عنده. فكل إنسان وقف حيث تعب، ورجع إلى مصالح دنياه وراحة نفسه وموافقة طبعه.) فإن استراح من ذلك التعب، واستعمل النظر في الموضع الذي وقف فيه، مشى حيث ينتهي به فكره إلى أن يتعب، فيقف أيضاً أو يموت. وأقول استتباعاً ينتظم في دوائر الكون الواقعية والافتراضية نفر من الناس، وهذا النفر من البشر ممسوسون بالحيرة المستديمة والتساؤل المتشظي في محارق الفكر واشتعالاته، وهم فيما يتبخترون على دروب التيه، ينتظمون في دوائر المعاني، ويتحلقون حول نواميس الحياة بتقلباتها وتفارقاتها وانتظاماتها وتحوّلاتها. والحاصل أنهم يتمددون في أحضان الدوائر التي تعيد إنتاج نفسها بكفاءة التميمة القادرة على البقاء الأبدي، سواء تمظْهرت أو خبتْ وتلاشت. والشاهد أن الدائرة سر أسرار الوجوديين؛ العياني والخفائي معاً. الدائرة هي ذلك الشكل الكروي بالمعنى الهندسي، الموسيقي المتكرر بالمعنى النغمي، والخابي المتلاشي بالمعنى التجريدي. ولهذا فإن الدائرة من أكثر الهيئات قدرة على إعادة إنتاج نفسها، والتماهي مع تمظهرات الحياة، والقدرة على استكناه قوانين الوجود بكافة. [email protected]