التغيير في حد ذاته سنة من سنن الكون, ومما لاشك فيه أن التغيير السياسي من المسلّمات التي تسير عليها الدول الديمقراطية التي تؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية, وبلادنا واحدة من الدول الديمقراطية التي تؤمن بهذا المبدأ الديمقراطي من منطلق السعي نحو المزيد من التقدم والتطور والازدهار, على اعتبار أن التغيير دائماً يصب نحو الأفضل ولكن الحاصل اليوم وللأسف أن بعض القوى السياسية ممن تدّعي أنها تطالب بالتغيير تذهب إلى هذا الخيار في سياق المكايدات السياسية والحزبية, فهي تريد التغيير من أجل التغيير لكي يحصلوا على مكاسب سياسية ولاينشدون أي مصلحة للوطن من وراء ذلك, حيث ذهلت الأسبوع الماضي وأنا أستمع إلى وجهة نظر أحد المعارضين المتعصبين في جلسة مقيل طغى عليها الطابع السياسي, حيث أشار إلى أنه مع تنحّي الرئيس علي عبدالله صالح دون قيد أو شرط وليذهب الوطن إلى الجحيم بعد ذلك, المهم إسقاط الرئيس. هذا الموقف المتطرف أشعرني بأن الوضع في البلاد خطير جداً وأن من يرفعون أو ينادون بتغيير وإسقاط النظام غالبيتهم لاينظرون إلى مصلحة الوطن, وحاولت أن أقنع صديقي المتشدد سياسياً بأن المرحلة الراهنة تتطلب بقاء الرئيس حتى انتهاء فترته الرئاسية بحيث يقوم بعمل الإصلاحات اللازمة بالتوافق مع المعارضة وكذا القيام بخطوات عملية تضمن الانتقال السلس والسلمي للسلطة لمن يحوز على ثقة الشعب وليسجل التاريخ للرئيس علي عبدالله صالح رعايته للعملية الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة, وهذا لايعني أننا نتصدق عليه بهذه الفترة بل هي فترة قانونية ودستورية مكفولة له منحه إياها أبناء الشعب. وقلت له بأن وجود الرئيس في السلطة سيتيح للبلاد التخلص من الفاسدين الذين تشكو منهم البلاد والعباد, حيث كان من المفترض على المعارضة أن ترفع شعارات المطالبة برحيل هؤلاء قبل أن ترفع مطالبها وشعاراتها المطالبة برحيل النظام, وحاولت أن أقنعه بأن الرئيس جاد في قرار عدم ترشحه وعدم توريثه للسلطة مهما حصل بحسب المعطيات الراهنة ولكنه أصر على عناده مشيراً إلى أن هذا القرار سيتم التراجع عنه لاحقاً بعد أن تهدأ الاحتجاجات والاعتصامات, فقلت له بأن هذه الاعتصامات إذا كانت نابعة من إرادة يمنية صادقة وغير موجهة أو متأثرة بما حصل في تونس ومصر وماهو حاصل في ليبيا فلا يمكن لأحد وأدها حيث بإمكان المعارضة دعوة أنصارها للنزول إلى الشارع للمطالبة بإسقاط النظام وستجد حينها التفافاً من أبناء الشعب مؤيداً لها, وخصوصاً في ظل مناخات الحرية المتاحة. أصرّ على عناده فأدركت بأن النقاش معه لن يجدي نفعاً, ولعل هذا الموقف هو ماقادني إلى تسليط الضوء على مسألة التغيير في اليمن خصوصاً عقب الخطوات العملية الأولية التي اتخذها الرئيس بتغيير بعض المحافظين وتوجيهاته بتحريك كافة قضايا وملفات الفساد وإحالة المتهمين فيها إلى السلطات القضائية المختصة وغيرها من التوجيهات التي تصب في جانب المصلحة العامة للوطن والتي تضمنتها مبادرته لمعالجة الأوضاع وتجاوز الأزمات الراهنة, فهذه الخطوات كان من المفترض في ظل هذه المرحلة الحساسة أن نتعامل معها بجدية ومسؤولية وثقة بعيداً عن التخوين وإصدار الأحكام المسبقة بعدم جديتها ومصداقيتها وصلاحيتها, رغم أن من يحدد ذلك هو المستقبل القريب والواقع المعيش وهذه من اختصاصات الأمور الغيبية التي لايعلم بها إلا المولى عز وجل, وفي مثل هذه المسائل والقضايا لاينفع القياس بالآخر أو السير على فلكه وخصوصاً أنها مازالت مرتبطة بما هو قادم لايعلم مايحمل لنا ولوطننا إلا الله سبحانه, ونحن هنا للمرة الألف لاننافق أو نجامل السلطة أو الرئيس وليس لنا أي مصلحة شخصية أو مطمع مادي رخيص وإنما نريد مصلحة الوطن, فلا نريد أن يكون تغيير النظام من أجل تخريب وتدمير البلاد فنحن ضد من يقول بأن يرحل الرئيس وبعدها لتحرق البلاد, فهذا حمق وحقد وعدائية على الوطن . الرئيس حسم مسألة ترشحه لفترة جديدة وقال بأنه لاتمديد ولاتجديد ولاتوريث ولاتراجع له في ذلك والضامن هو الشعب لأنه صاحب الكلمة الفصل في ذلك وهو من سيخرج في مسيرات ضد الرئيس إذا ما أراد أن يتراجع عن هذه التوجهات. إن الأوضاع اليوم كانت تتطلب من المعارضة أن تقف إلى جوار الرئيس وتمد له يد العون لتمكينه من استئصال الفساد والمفسدين ومحاسبتهم إذا ماكانت بحق تريد الخير والصلاح للوطن والمواطنين على حدٍ سواء, فهذا هو الدور المنوط بها, وهي بذلك ستكسب ثقة واحترام الشعب وسيؤهلها ذلك للحصول على فرصتها في الحكم في إطار التداول السلمي للسلطة, ولامجال هنا للحماقات واستغلال الوضع لكسب نقاط سياسية لا من الحاكم ولا من المعارضة. فلا نريد التغيير المفروض علينا من الخارج فلسنا تابعين لأحد ولانخضع لنظام الوصاية ولايمكن لأي قوة في العالم أن تفرض علينا أجندتها مهما بلغت التضحيات وهذه من الثوابت الوطنية التي لايمكن التفريط بها .. نحن نعرف مكامن الخلل وأوجه القصور وبؤر الفساد والمطلوب أن تتكاتف الجهود خلال هذه الفترة لإصلاح ومعالجة الخلل والقصور ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين والقيام بالإصلاحات التشريعية والسياسية والاقتصادية والمعيشية والوظيفية المطلوبة حينها فقط سنضمن أن البلاد في مأمن عن الفوضى والتخريب والمصير المجهول, وسيكون الرئيس علي عبدالله صالح المبادر إلى ترك السلطة حتى قبل انتهاء فترته الدستورية. اليوم اليمن بحاجة ماسة إلى تغليب العقل والمنطق والمصلحة الوطنية العليا والابتعاد عن التصرفات التي تسيء إلى الوطن والمواطنين والتي يقوم بها بعض المراهقين ممن يسيئون فهم واقع البلاد وظروفها الراهنة, ولسنا ضد اعتصام الشباب للمطالبة بحقوقهم المشروعة ولكننا ضد القفز على مطالب هؤلاء الشباب واغتيالها وتجييرها لصالح قوى سياسية كما هو الحاصل اليوم, حيث تم استبدال مطالب هؤلاء الشباب التي كانت تتركز في حقهم في التوظيف والمساواة ومحاربة الفساد وتحولت إلى شعارات مطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس وهي شعارات للأسف أنها تضمنت إساءات لا تليق تجاوزت حدود الأدب والأخلاق، فلا يحق لهذه القوى أن تصادر حقوق ومطالب الشباب وتسلب منهم جمال مناخات الحرية التي قادتهم إلى المطالبة بحقوقهم المطلبية العادلة والمشروعة، ونحن مع تحقيق مطالب الشباب ونحن مع الإصلاحات التي تخدم الوطن والمواطن بعيداً عن الشطح والفوضى والقفز على الواقع اليمني المعيش، نحن مع توظيف كافة الخريجين وإلحاقهم بركب الوظيفة العامة، نحن مع تحسين أوضاع الموظفين وزيادة مرتباتهم بالتزامن مع إيقاف مسلسل الغلاء، نحن مع اتساع قادة الرعاية الاجتماعية لتشمل كافة المستحقين للمساعدة مع ضرورة زيادة المخصصات الممنوحة لهم واعتماد آلية للصرف الشهري على اعتبار أنه أكثر فاعلية، نحن مع تحسين الخدمات العامة ورمزية استهلاكها دعماً للمواطنين، ونحن مع محاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة، نحن مع إصلاح المنظومة القضائية لما يصب في تحقيق العدالة، نحن مع إعمال مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية وإعمال سلطة النظام والقانون، نحن مع حيادية واستقلالية المؤسسة الأمنية والعسكرية ووسائل الإعلام الرسمية، نحن مع إصلاحات دستورية وتشريعية تلبي سقف طموحات وتطلعات أبناء الشعب، نحن مع الأمن والاستقرار وصد الفوضى والتخريب. نحن مع الوطن ولسنا مع شخصنة القضايا والمتاجرة بها من أجل مكاسب حزبية وسياسية ، ولنعِ جيداً أن علي عبدالله صالح رمز وطني من غير اللائق الإساءة إليه والتنكّر لكل ماقدمه لأبناء شعبه، فعلاً إنها وقاحة مابعدها وقاحة أن يرفع البعض شعارات تتضمن عبارات لاتليق تستهدف شخص رئيس الجمهورية تحت شماعة المطالبة بالرحيل والتغيير.. علي عبدالله صالح بشر يصيب ويخطئ كما هو حال بقية بني البشر ومن حقنا عليه أن يستجيب لمطالبنا وشكوانا ويعمل على معالجتها لكونه المسؤول الأول عنا موالين ومعارضين ومستقلين ولكن من حقه علينا أن نحترمه ونجله ونقدره وندين له بالولاء، بعيداً عن السب والإساءة والتجريح، فالمسألة ليست مسألة شخصية فالأشخاص إلى الزوال والوطن سيبقى إلى ماشاء الله، فالله الله ياأبناء اليمن, الوطن أمانة في أعناق الجميع، والتفريط به كالتفريط في العرض، ومن الغباء والحمق أن تدفعنا المصالح السياسية والحزبية إلى تدمير الوطن وتخريبه والانقضاض على مكتسباته. اليوم البلاد بحاجة إلى التوافق السياسي وتغليب المصلحة الوطنية لأن ذلك هو المخرج من الأزمات الراهنة وهي دعوة للجميع بالعودة إلى الله والتضرع إليه بالدعاء بأن يجنّب وطننا كل مكروه وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والإيمان. آمين اللهم آمين. والله من وراء القصد . [email protected]