حرية التعبير مكفولة لكافة اليمنيين, ومن حق كل يمني أن يتظاهر أو يعتصم أو ينظم مسيرة احتجاجية ولكن في إطار النظام والقانون، وهناك قانون ولائحة تنظم المسيرات والمظاهرات وهي ملزمة لكافة الأطراف في السلطة والمعارضة، ولكن وللأسف الشديد أن بعض العناصر المتغطرسة تنظر إلى نفسها على أنها فوق القانون, فتعمد إلى إقامة المظاهرات والمسيرات دونما حصولها على تصريح رسمي بذلك وكأن البلاد فوضى، ونتيجة لهذه العشوائية والعمل غير القانوني تتحول هذه المسيرات إلى أداة من أدوات التخريب والفوضى والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. وما نشاهده هذه الأيام من مسيرات واعتصامات من قبل بعض العناصر الطائشة والمأجورة والمطالبة بتغيير النظام تنفيذاً لأجندة خارجية هي صورة من صور الفوضى, فعلى الرغم من أن هذه المسيرات والاعتصامات غير مرخصة وفيها قفز كبير على واقعنا اليمني إلا أنني أشفق على الجهات التي تقف وراءها والتي تدفع ببعض الشباب العاطلين عن العمل إلى الشوارع من أجل البحث عن مصالح نفعية لهذه الجهات على حساب هؤلاء الشباب المندفع والمتحمس والواقع تحت تأثير الثورتين التونسية والمصرية. وأعجب هنا كيف يطلب هؤلاء بتغيير النظام ويطالبون الرئيس بالرحيل, متناسين أن الرئيس يحكم البلاد بناء على انتخابات ديمقراطية شهد العالم بشفافيتها ونزاهتها وحصل بموجب نتائجها على غالبية الأصوات, وبموجب الأغلبية لا يحق للأقلية الدعوة إلى إسقاط النظام, فهم لا يمثلون أي رقم ولا يوجد ما يبرر ذلك. فالرئيس علي عبدالله صالح صاحب تجربة سياسية ناجحة وله بصماته الواضحة على الوطن, ويكفيه شرفاً أنه كان صاحب الفضل بعد المولى عز وجل في تحقيق الوحدة المباركة والمحافظة عليها بالإضافة إلى الإنجازات والتحولات النوعية التي شهدها الوطن، ولا يعني ذلك أنه لا توجد أخطاء أو تجاوزات وأوجه قصور, فالكمال له وحده, ومن لا يعمل فقط هو من لا يخطىء، وهناك فرق شاسع بين ما كانت عليه تونس ومصر وما هو عليه الحال في بلادنا. فلا توجد لدينا سلطة قمعية تصادر الحقوق والحريات وتنفي العلماء والناشطين السياسيين, ولا توجد لدينا مواقف متخاذلة تجاه القضايا القومية الرئيسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, ولا يوجد لدينا إذلال أو استبعاد للمواطنين، الموجود لدينا فساد مستشرٍ، وأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، وغياب للعدالة والمساواة الاجتماعية, وتعطيل للنظام والقانون من قبل بعض عديمي الضمير وغيرها من القضايا المرتبطة بحياة المواطنين والأوضاع العامة للبلاد. وهي قضايا محط اهتمام ومتابعة الرئيس علي عبدالله صالح الذي دائماً ما يحرص خلال اجتماعاته مع الحكومات المتعاقبة على حثها على معالجتها لما فيه خدمة المواطنين والارتقاء بالأوضاع العامة للبلاد نحو الأفضل, واستشعاراً منه بالمسئولية الموكلة إليه فقد جاءت توجيهاته السديدة للحكومة بشأن تنفيذ العديد من المعالجات الكفيلة بتحسين أوضاع المواطنين المعيشية والمتمثلة في إقرار المرحلة الثالثة من استراتيجية المرتبات والأجور وتخفيض ضريبة الدخل على الموظفين وقرار صرف العلاوات الدورية والتوسع في حالات الضمان الاجتماعي وإعفاء طلاب الجامعات من رسوم التعليم الموازي بالإضافة إلى جملة من التوجهات الهادفة إلى التخفيف من أعباء المعيشة على المواطنين في ظل اشتداد وطأة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على شعوب العالم. وفي ذات السياق جاءت مبادرته السياسية الحكيمة لمعالجة الأزمة السياسية الراهنة وتحريك المياه الراكدة في العلاقة بين الحزب الحاكم والمعارضة والعودة بهما إلى طاولة الحوار من أجل المصلحة الوطنية العليا، وهي مبادرة شهد الجميع بحكمتها وأهميتها, ضف إلى ذلك توجيهاته بتحريك ملفات الفاسدين وإحالتهم إلى السلطات المختصة, والعمل على الحد من الفساد, والحد من الإنفاق الحكومي غير الضروري, وتوجيهاته إلى الحكومة والسلطات المحلية في المحافظات والمديريات بالاهتمام بقضايا المواطنين والاستماع لهمومهم ومشاكلهم والعمل على حلّها ومعالجتها, وقيامه بفتح مكتبه الخاص لاستقبال المواطنين من كافة محافظات الجمهورية والاستماع إلى همومهم ومشاكلهم عن قرب والتوجيه إلى الجهات المختصة بحلها بصورة عاجلة, وكلها توجهات ايجابية تدفعنا إلى تأييدها ومباركتها وتدفعنا نحو المطالبة بالمزيد منها، لا الانقلاب عليها والتنكر لها. فالبلاد اليوم لم تعد تحتمل الحركات الصبيانية الطائشة ولغة تصفية الحسابات الشخصية الضيقة، فالفوضى لن تخدم أي طرف من أطراف العملية السياسية, واستمرار تأزيم الأوضاع لن يُخلّف إلا الخراب والدمار للوطن. همّنا الكبير في يمن الخير والسلام هو الحد من الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل للشباب ومحاربة الفساد وإعمال مبدأ المساواة والمواطنة المتساوية وإعمال سلطة النظام والقانون وتعزيز مناخات الحرية والتعددية والقضاء على الظواهر السلبية التي تُعكر علينا صفو حياتنا ومعيشتنا، والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع والاحتكام لرغبات أبناء الشعب, لا نريد أن نركب موجة التغيير الانفعالية التي تقودنا إلى أن نخسر وطننا ونهدم ما تم إنجازه من مكاسب ومنجزات نفاخر بها. الرئيس أعلن أنه لن يترشح لولاية جديدة ولن يترشح نجله, وأنه سيعمل خلال ما تبقى من فترته الرئاسية لاستكمال الإعداد والتحضير للتداول السلمي للسلطة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للبلاد والعباد, فلماذا نقطع عليه الطريق ونحرم بلادنا من فرصة المضي في مسيرة البناء والتنمية المنشودة، لماذا لا نعمل على الالتفاف حول الرئيس في هذه المرحلة والوقوف إلى صفه في اجتثاث الفساد ومحاربة الفاسدين وإصلاح أوضاع البلاد, لماذا لا نطالب بسرعة تنفيذ توجيهاته الإصلاحية الهامة لكي ننعم بحياة هانئة وكريمة؟!. الجميع على معرفة تامة بأوضاعنا الاقتصادية والمعيشية والتي تتطلب المعالجة الفورية ولم تعد تحتمل مظاهر الفوضى وأعمال التخريب والشغب لأننا بذلك ندمر بلادنا بأيدينا وهذا لا يجوز شرعاً، لا نريد أن تذهب البلاد إلى مربع العنف والفوضى فنحن شعب يمتلك أفراده أكثر من 60 مليون قطعة سلاح, وكلنا يعرف حجم كارثية استخدام هذه الترسانة من الأسلحة في الشوارع. من يتظاهرون اليوم للمطالبة برحيل النظام قلة ومن يتظاهرون لتأييد النظام هم الأكثرية, ورغم ذلك لا يوجد أي أشخاص أوصياء على اليمن، وفي هذه المرحلة الحالية الكل مع الرئيس لقيادة البلاد في هذا الوقت العصيب, ولا بأس في التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتجاوز بالوطن كل هذه الأزمات وتنزع فتيل الفتنة السياسية القائمة، فالشعب يريد الاستقرار والأمن، الشعب يريد أوضاعاً اقتصادية ومعيشية مناسبة وملائمة له، الشعب يريد محاربة الفساد والفاسدين وحماية المال العام، الشعب يريد العدالة في القضاء والمحاكم، الشعب يريد المساواة في الحقوق والواجبات، الشعب يريد القضاء على الفقر والبطالة، الشعب يريد بناء دولة المؤسسات وإعمال سلطة النظام والقانون، ولا يريد التخريب والفوضى والانجرار نحو مربع العنف والتدمير للبلاد. فما يحصل اليوم لا يقود إلى التغيير وإنما يقود إلى التدمير, وهذا ليس مطلب غالبية أبناء الشعب، هناك قوى معادية للوطن تسعى إلى الانقضاض على الوحدة وعلى مكتسبات البلاد، هناك قوى حاقدة ومريضة تستغل ظروف الناس للمزايدة على الوطن, وهذا لا يعقل ولا يُقبل مطلقاً، هناك قوى تركب موجة العنف وتحرض على إزهاق الأرواح من أجل تسهيل وصولها إلى كرسي الرئاسة, وهؤلاء مهما حاولوا أن يخفوا أنفسهم ويتواروا خلف الستار إلا أن أعمالهم مفضوحة ودعمهم لقوى التخريب والفوضى سيعود بالوبال عليهم, فالجميع سيكتوي بنيران الفوضى ولذلك فإن التحلّي بالعقل والحكمة في ظل هذه الأوضاع ضرورة وطنية ملحة. وعلى الجميع في السلطة والمعارضة الشروع في احتواء هذه التداعيات الراهنة والعودة إلى طاولة الحوار لإنقاذ البلاد، وبدلاً من رفع الشعارات الهدامة والتخريبية والانفصالية فلنرفع جميعاً شعارات لبناء الوطن وتقدمه وازدهاره، لنرفع شعارات الشعب يريد إصلاح البلاد، الشعب يريد مكافحة الفساد، الشعب يريد حياة كريمة وهانئة، الشعب يريد إسقاط الدعوات المناطقية والانفصالية، الشعب يريد تحقيق العدالة الاجتماعية، الشعب يريد الحفاظ على الوحدة الوطنية. هذه هي المطالب التي يريدها الشعب في هذه المرحلة, وما دون ذلك هو عبارة عن مكايدات حزبية ومواقف استغلالية لبعض القوى بحثاً عن مصالح شخصية ضيقة أو ترجمة لأجندة وأهداف خارجية تستهدف أمن الوطن ووحدته واستقراره، قال الله تعالي: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).