الحمدالله والصلاة والسلام على رسوله الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم), دلت هذه الآية على أن أهل العلم هم الذين يستنبطون الأمور ويعرفون العلاج الصحيح عند حصول النوازل وأن من هؤلاء العلماء الأفذاذ والفحول البحور إمام الديار اليمنية في عصره شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني عليه رحمة الله, وقد اعترف له بالعلم الموافق والمخالف وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولكن أكثر الناس لا يشكرون. ولذلك فإننا ننقل في هذه الرسالة فتوى الإمام الشوكاني في التعامل مع الحكام: قال رحمه الله في كتابه الشهير “السيل الجرار” :ولا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم كل مبلغ ما لم يظهر منهم الكفر البواح ا.ه فهل قال الإمام رحمه الله هذا الكلام تزلفاً للسلاطين ومداهنةً للحكام الظالمين وبيعاً بالدنيا للدين كما يحلو للبعض أن يقول عند سماع مثل هذه الفتوى؟ الجواب: حاشاه رحمه الله, ولكنه فعل هذا تقرباً إلى الله وعملاً بسنة رسول الله صلى عليه وسلم لما جاء في أحاديث كثيرة تأمر بالصبر على جور الحكام وعدم الخروج عليهم كحديث ابن عباس في البخاري ومسلم والمسند وغيرها من كتب أهل السنة, قال عليه الصلاة والسلام :من رأى من أميره ما يكره فليصبر عليه فإن من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية” .. وهكذا ما جاء عن عبدالله بن مسعود في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: “إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها قالوا فما تأمرنا يارسول الله قال : أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم” وهكذا ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم, قالوا يارسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك قال : لا, ما أقاموا فيكم الصلاة, لا, ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة” .. وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان”. وغيرها من الأحاديث المتكاثرة في الباب نجدها في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرها من كتب أهل السنة والجماعة وقد ذكر رحمه الله تعالى في كتابه “السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار”: “ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن ينصح له ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله. وهذه الفتوى المباركة فيها كيف ينصح ولي الأمر عملاً بحديث عياض بن غنم رضي الله عنه في مسند أحمد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبدي علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه “ .. هكذا يكون النصح المقبول على الانفراد لا على رؤوس الأشهاد كما قال الشافعي رحمه الله: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فهل يعقل أصحاب المظاهرات والاعتصامات الذين يصيحون ويجهرون بسبب ولي الأمر فيذلون سلطان الله ويهينونه وقد ثبت من حديث أبي بكرة وله شواهد: “من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله “رواه الترمذي وغيره وحسنه العلامة الألباني رحمه الله. وقد يستدل أصحاب هذه الفوضى بحديث “أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” وهو حديث صحيح لكن قال “عند سلطان جائر” ولم يقل “عند عامة الناس ولا في المنابر” بل “عنده” يعني يذهب إلى السلطان كما في حديث عياض بن غنم فلا يبدي له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به .. وهم كذلك يستدلون بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكفي في الرد عليهم قول الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه الشهير “نيل الأوطار” وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلَمة ومنابذتهم بالسيف ومكافحتهم بالقتال، بعمومات من الكتاب والسنة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكر المصنف يعني مؤلف “المنتقى” الذي شرحه الشوكاني في كتابه نيل الأوطار في هذا الباب وذكرناها يعني في شرحه في موضع سابق وقد سبق سرد شيء منها في هذه الرسالة المتواضعة أخص من تلك العمومات مطلقاً .. كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة “ انتهى. فانظروا رعاكم الله إلى تمسك هذا الإمام بالسنة لا بالعواطف والكلام الحماسي الانفعالي .. وليعلم أن هذه الفتوى من هذا العلامة الحبر البحر ليست شذوذاً أو مخالفة لأهل العلم بل هي موافقة لإجماع أهل السنة الذي نقله غير واحد كالإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم حيث قال رحمه الله “ وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق”. هذا ما يسر الله كتابته ابتغاء مرضات الله رب العالمين وحقناً لدماء اليمنيين ونشراً للحق والسنة ودحضاً للشر والفتنة. والله من وراء القصد.