يذكر عالم الاجتماع العراقي في كتابه “خوارق اللا شعور أو أسرار الشخصية الناجحة” أن أعظم ورطة وقع فيها العقل الإنساني هو المنطق الصوري المنسوب إلى أرسطو. ومع أن أرسطو سمّاه ابن رشد الفيلسوف الأندلسي أنه المعلم الأول, ولكن العقل البشري لم يكن ليتقدم لولا أنه تخلص من المعلم الأول والعقل الجبار أرسطو بسبب منطقه الذي لم يعد يتلاءم مع تقدم الجنس البشري. ومن جملة تلك الكوارث مشكلة قوانين الفكر التي صاغها المناطقية القدماء وسموها قوانين الفكر الأساسية, وبزعمهم فإن هذه القوانين الثلاثة هي أساس كل تفكير سليم, وهي قانون الذاتية وقانون عدم التناقض, وقانون الوسط المرفوع أو الثنائية. فأما قانون الذاتية فقالوا إن الشيء هو هو ومؤداه أن السكون أصل الكون والذي نعرفه اليوم هو العكس وأن الحركة هي أصل الكون بما فيها دوران الإلكترون بحركة اهليلجية حول البروتون بسرعة تقترب من سرعة الضوء على شكل غمامة. وهو قانون اكتشفه عالم عام 1948م, وأن حركة الإلكترون تشبه حركة الأرض حول الشمس على شكل دوران قطع ناقص وليس دائرة كاملة. وأما القانون الثاني فقالوا إن الشيء لا يمكن أن يكون فاقداً وحائزاً للشيء بنفس الوقت, وهو يقود إلى الحقيقة المطلقة, وهي غير مطلقة في علم الاجتماع. ويجب أن نشك في نزاهة أي إنسان على حد تعبير الوردي إذا رأيناه يدعو إلى اتباع الحق المطلق أو العدل المطلق, لأن هذا في دماغه لا أكثر, ومصلحة العقل البشري أنه ميّال إلى جعل مصلحة صاحبه الخاصة والمصلحة العامة واحدة. وكما وصف أحدهم منطق أرسطو أنه منذ ألفي عام لم يرجع خطوة واحدة ولكنه أيضاً لم يتقدم خطوة واحدة.. والقانون الذي يطبق حرفياً يقود إلى الظلم في العادة ما لم يوجد بجانبه العقل المرن الذي يطبق وفق الحالات قوانين شتى مثل الحالات الطبية. والطب الألماني طوّر شيئاً اسمه الحالة وليس المرض, فالواقع لا يعطينا مرضاً محدداً, بل حالة مرضية, وهي تختلف من حالة إلى حالة, ومن يصب بالأنفلونزا أو الحمى التيفية لا يتشابهان ولا يستويان مثلا فقد يصاب الأول بارتفاع حرارة والثاني بالتهاب عضلة القلب والثالث بانثقاب معوي مع التهاب المعثكلة, وقيل عن مرض الروماتزم إنه يلحس المفاصل ولكنه يعض القلب. وهكذا فقد طوّر العقل البشري شيئاً اسمه الحقيقة النسبية وأرشدنا القرآن أن ننتبه إلى أن الشر قد لا يكون شراً وقد يكون فيه خير كبير, وبالعكس فهناك الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وأما القانون الثالث فهو أشدهم توريطاً وهو قانون الوسط المرفوع أو الثنائية الذي يرى أن العالم مكون من طرفين، ونحن نقول عن الأشياء حار وبارد, وهي بالنسبة لنا, ولكنها ليست كذلك في الكون, فقد تنزل درجة الحرارة إلى 273 تحت الصفر وقد تصعد في باطن الشمس إلى عشرة ملايين درجة, حيث نتبخر ولا يبقى لنا وجود يقول إن الحرارة هي 40 درجة وأن البرودة هي الصفر. “ولخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس”.