خمسون يوماً على انطلاق أول اعتصام للشباب في شارع التحرير بمدينة تعز والنظام مازال متماسكاً بل إنه ظهر أكثر قوة من خلال الحشد الجماهير الكبير الذي شهدته العاصمة الجمعة الماضية ولم تندلع حرب أهلية كما حصل في ليبيا!!.. لم يصمد النظام التونسي شهراً واحداً وسقط النظام المصري في (18) يوماً فما هو سر الحالة اليمنية؟.. يرى البعض أن اليمن ليست استثناءً لأن أنظمة الحكم في البحرين والأردن والجزائر والمغرب لم تنهر (إذا ما اعتبرنا أن الحالة السورية مازالت في مهدها).... هذا صحيح لكن علينا أن نميز بين الحالات السابقة فسقف المطالب في الحالات الأربع لم يتجاوز المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية ومطالب تتعلق بالحقوق والحريات. الحالة اليمنية بدأت بسقف مرتفع جداً تقليداً للحالة التونسية والمصرية لكن من حيث انتهت وليس من بداياتها مدفوعة برغبة حزبية للتخلص من النظام وهو ما جعل الشباب ومن أمامهم المعارضة يقفون عاجزين عن التعاطي مع المبادرات العديدة التي قدمها رئيس الجمهورية لحل الأزمة المتفاقمة فالسقف المرتفع ضيق عليهم مساحات الحركة والمناورة. بالمقارنة بين الحالة اليمنية ونظيراتها المصرية والتونسية من حيث العوامل المؤثرة في قدرة النظام على البقاء نجد أن اليمن تمتلك هامشاً ديمقراطياً أكبر لأنها تمتلك أحزاباً معارضة حقيقية ممثلة في البرلمان وتمارس دورها السياسي بحرية كبيرة ويبرز ذلك من خلال ثلاث دورات انتخابية برلمانية ودورتين رئاسية ومحلية كان أهمها الانتخابات الرئاسية لعام 2006م التي شهدت انتخابات تنافسية قوية بين المعارضة والسلطة بالإضافة إلى وجود منظمات مجتمع مدني تعمل بحرية رغم ما يشوب نشاطها من شبهات في التمويل والأهداف.. الحالة المصرية تميزت بتغييب كامل للمعارضة على مستوى البرلمان أو على مستوى الشارع فقد سيطر الحزب الوطني الحاكم عل الحياة السياسية وتم الزج بأيمن نور في السجن لأنه غامر ونافس الرئيس المصري السابق في الانتخابات الرئاسية وتم إجراء تعديلات دستورية لعام 2007م ضيقت الهامش الديمقراطي ومكنت الحزب الوطني من السيطرة على مجلسي الشعب والشورى ولا تختلف الحالة التونسية عن المصرية إن لم تكن أكثر قتامة.. الممارسة الديمقراطية الممتدة لأكثر من عشرين عاماً في اليمن أفرزت المشهد الذي نراه اليوم في كل الساحات والميادين وجدنا عشرات الآلاف من الشباب ومعهم أحزاب اللقاء المشترك يطالبون برحيل النظام وشاهدنا احتشاداً جماهيرياً غير مسبوق في صنعاء وعشرات الآلاف في المحافظات يطالبون الالتزام بالدستور والتغيير وفق المبادرة التي قدمها رئيس الجمهورية.. كل ذلك يجري بصورة سلمية إذا ما استثنينا الحالات التي شهدت أعمال عنف وقتل تداخلت فيها الأسباب والمعطيات التي تؤكد اختراقات أمنية تستهدف تنفيذ أجندة خاصة وتصفية حسابات كما حدث مع الحراك في عدن وخلط الأوراق بصورة غير مسبوقة في حادث جامعة صنعاء 2011/3/18م.. الممارسات الديمقراطية أفرزت كل النتوءات التي ظهرت بدءاً من حرب صيف 1994م مروراً بالتمرد الحوثي والحراك وانتهاءً بهذا المشهد الذي جعل القبيلة تترك سلاحها وتدخل صنعاء إما مؤيدة أو معارضة..في تونس ومصر كسرت الاحتجاجات حاجز الخوف والرهبة أمام مؤسسة الرئاسة بسبب القضية البوليسية التي كانت تدار فيها تلك الأنظمة أما في اليمن فإن التنافس الحزبي أسقط كل الحواجز وجاءت الانتخابات الرئاسية في العام 2009م لتكسر آخر حاجز. لم يحدث إن احتشدت الجماهير في مصر أو تونس مع الرئيس بنفس الزخم والقوة التي احتشد فيها مؤيدو الرئيس علي عبدالله صالح بدرجة وصورة أكبر مما حشدته المعارضة وهو مشهد ديمقراطي بامتياز وإن انقلبت فيه المعايير فالأقلية تفرض رأيها على الأغلبية. الديمقراطية في اليمن هي من حافظ على صمود النظام وبقائه وحافظ على أن يبقى المشهد سلمياً وآمناً بالقياس على ما عرف به اليمن من عنف خلال العقود الماضية قبل الوحدة، ولما يمتلكه اليمنيون من مخزون سلاح يصل إلى ستين مليون قطعة سلاح. لماذا لا يبحث العقلاء في اليمن عن آلية ديمقراطية تعزز التجربة الديمقراطية وتؤسس لانتقال سلمي للسلطة بعيداً عن العنف الثوري بأي عباءة عسكرية أو شعبية وفق شروط وضمانات يتفق عليها كل الفرقاء حتى لا تتحول دعوات التغير إلى نكسة للتجربة الديمقراطية وتنتج سلطة شمولية متدثرة بالعباءة الدينية لأن كل المؤشرات المستقبلية تؤكد ذلك.