ماذا بقي بعد جمعة التسامح والوفاء التي أعادت إلى الأذهان مشاهد الجماهير الحاشدة التي استقبلت الأخ رئيس الجمهورية عقب عودته من مدينة عدن الباسلة بعد تحقيقه لوحدة الوطن في عام 1990م، فعلاً ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أعظمك أيها الشعب اليمني العظيم، الشعب الذي دائماً ما تطغى فيه لغة الحكمة والحب والإيمان والتسامح على مادونها من مشاعر الحقد والبغض والكراهية، الشعب الذي يكبر فيه ويعظم حب اليمن ولاشيء غير اليمن، فخروجهم كان من أجل أمن واستقرار اليمن وليس من أجل علي عبدالله صالح. على الجميع الاعتراف أن اليمن ليست مصر ولا تونس ولا ليبيا، لأن أغلبية الشعوب هناك كان يجمعها مطلب واحد هو التغيير وإسقاط النظام، أما نحن فمنقسمون بين أغلبية مؤيدة وأقلية معارضة، وهنا تكمن الكارثة شعب منقسم وجيش بين مؤيد ومعارض، والنتيجة يعرفها الجميع إذا ماخرجت الأمور عن السيطرة لاقدّر الله. وبعبارة صغيرة، ماذا لو كان المؤيدون مثلاً قد قرروا الزحف كما كان يريد البعض منهم تجاه ساحة التغيير في الجامعة يوم الجمعة ما الذي كان يمكن أن يحصل؟ بالتأكيد كارثة كبرى وفتنة عظيمة سيذهب فيها عشرات إن لم يكن مئات من الضحايا الأبرياء. هذا سيناريو بسيط لما قد تحمله فتنة الحديث عن الزحف أو الإصرار على النهج الفوضوي الذي يتجاهل لغة الحكمة والحوار والتقارب التي تكفل انتقالاً سلمياً وسلساً للسلطة يضمن سلامة وأمن اليمن واستقراره، بعيداً عن التعصب والفوضى والتخريب.. وبالعودة إلى جمعة التسامح وإلى الحشود الجماهيرية الكبيرة التي اكتظت بها ساحات صنعاء الرئيسية وشوارعها الفرعية، نقول: ماذا لو كان الرئيس بعيداً عن الحكمة هل كان في ظل كل تلك الحشود المؤيدة سيدعو إلى الحوار والعودة إلى الحوار والتأكيد عليه، أم سيحتكم للشعب كما احتكم المشترك إلى الشارع متناسياً الأغلبية الصامتة المؤيدة للحوار والاستقرار؟. يا أولي الألباب نقولها وسنقولها مراراً وتكراراً اليمن ساحاتها مقسمة وخلافاتها متعددة وأحزابها متعصبة وأهدافها مختلفة ومشاريعها ملتوية والإصرار على التغيير القسري لن يزيد الوضع سوى تأزيم وسيجر البلد إلى فوضى وصراعات دامية. ياجماعة، يا عقلاء، ياحكماء ، العقل العقل، الحكمة مطلوبة، العودة إلى الواقعية ضرورة، تفرضها تجاذبات المرحلة الحالية، فما ضير أن يرحل الرئيس اليوم أو بعد بضعة أشهر مثلاً إذا كان في ذلك حقن للدماء وتسليم سلمي للسلطة، يكون الشباب هم الحاملون فيها لواء التغيير السلمي الذي سينقل اليمن إلى آفاق رحبة وآمنة. إن الحديث اليوم عن بوادر للاتفاق بين فرقاء العملية السياسية في بلادنا أزاح الهم والخوف عن الكثيرين وأوحى بأن الحكمة اليمانية التي حباها الله لليمنيين ستكون هي الفيصل لتجنيب اليمن فتنة الدمار والاقتتال وباتت أيام الحل معدودة وقريبة لانفراج الأزمة الطويلة بإذن الله، وعلى الجميع اليوم التنازل والتقارب ليس من أجل شخص أو فئة ولكن من أجل ماهو أغلى من الجميع أُمنا اليمن.. ! والشيء الأكيد الذي يتفق عليه كل اليمنيين ان التغيير قادم، قادم، نسأل الله أن يكون كما ينشده كل الخيرين، تغييراً شعاره: التسامح والحب ومصلحة اليمن فوق الجميع.