لا أظن أننا نحتاج لجودة في المواد الغذائية طبيعية ومصنعة كونها تدخل بطوننا ونتعرض للتسمم والتأثير السلبي على أداء وظائف الجسم ولكننا نحتاج لضبط الجودة لمنتج يدخل هذه المرة لعقولنا ،منتج يفترض أن يتميز بصدق المعلومة ونزاهة النصح وترك رسالة بعد وصولها، وفي علوم الاتصال هناك رسالة تنطلق من المرسل عبر شكل من الأشكال الاتصالية السمعية والبصرية وكذا الاستقبال ومن ثم رد الفعل الاتصالي. اليوم في مراقبة الجودة الاتصالية المعرفية نكاد لا نلمس جودة ولا مراقبة إلا من محاولات الحشو والتلاعب الفني بالمادة الذي يصل إلى حد إسقاط معلومات غير صحيحة من تزييف وتقليد وحشو. إن ما يؤلم هو استخدام الثورة التقنية بشكل مفزع في الخدمة الاتصالية المقدمة منها الإعلامي وتغييب العقل الآدمي ونرى استخدام الألفاظ النابية والمنحازة في برامج يفترض أن تقدم المعلومة والحقيقة بطريقة مقبولة في الإعلام المرئي، فتسمع كلمات يهدف صاحبها وخاصة المذيع إلى مزاعمه بتثبيت دعائم الوطنية والانتماء إذا به يدس أسماء أوطان أخرى وبلدان بطريقة تمييزية وعرقية ولا أحد يرسل رسالة سمعية بصرية “التلفزيون+ الراديو” ليحد من الصورة الإعلامية الاتصالية السيئة لإعلامنا فيعتقد صاحبنا المذيع أن رسالته سليمة ويستمر ليشتم هذا وذاك وكأنه اشترى حق البث ليفرض علينا وكأننا كيمنيين خالين من المصاعب والخطأ مما يحملنا كراهة الشعوب الأخرى لنا أما الإعلام المقروء “الصحافة” فترى فيه صوراً لا تمت للموضوع اليمني بصلة ولو كانت الصور هذه لها أصحاب لقدمت إعلامنا للقضاء شاكية الانتهاك بالنشر واستغلال حق الغير. وأما الأخطاء اللغوية فهي فضائح يرتكبها احفاد اللغويين وأصل اللغة العربية وكأنهم يتركون القارىء ليفهم كما شاء لا كما قدموه من رسالة اتصالية. أما الكتاب المقروء وخاصة الكتاب المدرسي ترى فيه ما يخجل من صور عقمت الوسيلة الإيضاحية التربوية اليمنية أن تقدم المثال المناسب الذي يفترض أن يقدم صورة وطنية لا صوراً هي قصاصات من كتب أجنبية مسختها عملية النسخ والمخجل في الأمر أن لجنة تربوية طويلة عريضة من أصحاب الدال دكتوراه وقيادة مركز البحث التربوي ووزرائهم المتعاقبين على اختلاف زمن الإصدار لم يكلف أحدهم نفسه أن يطمئن من اقتناء نسخة من هذا الكتاب ليطالع إخراجه ونشره. ولعلهم يتبعون قاعدة مفادها: أن الجماعة رحمة، ولكن في نماذجها هذه ليست إلا وبالاً على كل فرد وتاريخه الأكاديمي!! هل شاخت عقول المثقف والمتعلم اليمني في أن يمتلك من صفات الدقة والتحري احتراماً لعقل المتلقي كبيراً أم صغيراً وهل عجز عن أن يستفيد من خدمات التقنية المعاصرة وأن عليه أن يحرص ويهتم بتاريخه والمسئوليات المناطة به لصياغة الرأي العام من خلال دوره الإعلامي التنويري والتربوي ومن استمرار صحيح لرسالته الاتصالية كما أن صدق المعلومة هو مسئولية أخلاقية تكون بعيدة عن النيل من الآخرين وصفة مطلوبة واستحقاق منشود في سماء العولمة التي تسبح في تياراتها حقوق وواجبات تتعلق بالملكية الفكرية والثقافية والإعلامية وهي لاتقل عن العقوبات المقيدة بل إن هذه الحقوق ليست بمنأى عن الوصول لمخترقيها قانونياً وفعلياً من خلال العقوبات ضد مظاهر التزوير والتزييف والاقتباس والإساءة للأعراق والأجناس. لاينبغي أن يغرد إعلامنا وكتبنا ومخرجاتنا الثقافية والتربوية عموماً خارج سرب أهداف واضحة وقيم اتصالية ومعرفية بل أن خط سيره ينبغي أن يكون وفق هذه القيم سبيلاً نحو صياغة وطنية للعقل اليمني بجودة احترافية حقة لمعنى الكلمة والمعلومة والحقيقة العلمية المنشودة للمذيع والمعد والمؤلف والباحث بل والسياسي المشرف على المخرجات الإعلامية والتربوية من موقعه كصانع القرار لضمان الجودة وهي الحقيقة المفترض تقديمها.