لقد ذكّرتني “أزمة الغاز” والتي ما زالت راكبة على ظهورنا بذلك المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد”.. فهذه الأزمة تعتبر مصيبة حطت بثقلها على رأس المواطن والذي أصبح ينتظر دوره ولأسابيع من أجل الحصول على مادة الغاز.. فالمشكلة هذه أجبرت المواطنين على القيام بحذف جميع أمنياتهم الشخصية من على ذاكرتهم ورميها في سلة النسيان ولكنهم أبقوا على أمنية واحدة فقط وهي الحصول على الغاز بكل سهولة ويسر.. وبالمقابل أبقى وكلاء محلات بيع الغاز على أمنياتهم الشخصية كما هي ولكنهم أضافوا إليها أمنية جديدة وهي أن تظل أزمة الغاز باقية إلى ما لا نهاية ذلك لأنهم الوحيدون الذين استفادوا منها وبشكل كبير.. فمن ورائها جنوا الكثير من الأموال«اللهم لا حسد» وبطرق غير شرعية فاحتكروا الغاز وباعوه في أسواق سوداء خاصة بهم وبأسعار باهظة.. كما أن أزمة الغاز صنعت من هؤلاء الوكلاء المحتكرين أناساً مشهورين “نار على علم” وصار يشار إليهم بالبنان وما ينقص شهرتهم سوى أخذ توقيعات تذكارية منهم.. ولذلك أتوقع ومع استمرار رزوح أزمة الغاز أن شباب المستقبل سيكتفون بطموح الحصول على “وكيل غاز” بدلاً من وكيل محافظة ووكيل وزارة ووكيل نيابة. والزوجة ستظل ناقمة على زوجها الموظف وسيكون شغلها الشاغل هو حثه على أن يضحي بالغالي والنفيس من أجل الحصول على “محل وكالة غاز”.. والأم ستغير من دعائها لأبنها الطالب وستدعو له عند ذهابه إلى المدرسة بالقول “روح.. إلهي وأنت جاهي يجعلك يا ابن بطني من أكبر وكلاء والغاز.. قادر يا كريم” وأما الأب سيظل ينظر إلى ابنه الصغير ويسأله “آه متى ستكبر حتى أشوفك وكيل غاز مشهور” وإذا كانت له بنت فإنه لن يزوجها إلا من الرجل الذي يمتلك وكالة لبيع الغاز.. وإلى جانب هذه الشهرة التي حظي بها هؤلاء المحتكرون، نجد أن محلاتهم أصبحت وبالتحديد منذ بداية أزمة الغاز مزارات يحج إليها يومياً الكثير من الناس لأخذ بركاتها في الحصول على غاز “ياسبحان الله”. والجدير بالذكر أن أصحاب المحلات التجارية هم أيضاً قد استغلوا أزمة الغاز وأقدموا ظلماً على رفع أسعار الشول والأفران التقليدية القديمة وبشكل خيالي، فالفرن التقليدي والذي يعمل بالحطب أصبح يباع حجمه الصغير بثلاثة آلاف ريال وكان يباع قبل أزمة الغاز بألف ريال.. ومع استمرار الأزمة فإن السعر قابل للازدياد والتمديد.. والأغرب من ذلك أن الشول الصغيرة والتي تعمل بالكهرباء هي الأخرى اختفت من المحلات التجارية وما عاد لها وجود إلا ماندر “فمرتزقة أزمة الغاز كثيرون ولكنهم مراتب ودرجات” وهم متشابهون في قسوة القلب وخلوه من الرحمة والبعد عن الإيمان. والخلاصة هي أن المواطن اليمني وجد نفسه فجأة مقحماً عنوة في مواجهة أزمة الغاز بمفرده.. مما جعله هذا الإقحام أكثر انشغالاً وتفكيراً ليس بالأزمة السياسية القائمة فيما بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك بل في البحث عن الحلول البديلة التي ستبعد عنه شر منغصات أزمة الغاز ومن بين هذه الحلول القيام بقطع الأشجار من أجل الاستفادة من خشبها في إشعال النار وطهي الطعام عليها وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انتعاش مهنة “الاحتطاب” والتي بدورها ستحول الأراضي الخضراء إلى أراضٍ جرداء متصحرة وفي بضع سنين وهذا التصحر من شأنه أن يؤدي إلى وقوع مشكلات بيئية نحن في غنى عنها. وآخر الكلام لابد من العمل على إنهاء أزمة الغاز سريعاً كونها بالفعل نغصت حياة المواطن وخلقت فيه تذمراً شكّل في ذهنة اتهاماً لكلا طرفي النزاع السياسي في الوقوف وراء أزمة الغاز.. وهذا هو الحاصل الآن وعلى مستوى الشارع اليمني.. فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.