تعد الوسطية في كل الأمور من أهم مزايا المنهج الإسلامي، فأمة الإسلام أمة الوسط والصراط المستقيم بمعنى أنها تستغل جميع طاقاتها وجهودها في البناء والعمران المادي والتربوي والعلمي والثقافي من غير إفراط ولا تفريط، فهي تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، وبين الدين والدنيا وبين العقل والقوة وبين المثالية والواقعية وبين الروحانية والمادية وغيرها فقد قال الله تعالى : «يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ»، وقال سبحانه وتعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شهداء على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيَدا». فالأمة الوسط التي تدين بالدين الوسط هي ذات رسالة وسطية، تحمل مبادىء الإيمان والحرية والمساواة والتكافل والتضامن بين جميع البشر، وتنشر قيم الخير والفضيلة، وتدعو الناس كافة إلى سواء السبيل، وتسلك بهم الطرق المستقيمة التي توصلهم إلى الأمن والأمان، والسلام والاطمئنان، وإلى سكينة القلب وراحة الوجدان. ولكن ما أصبح اليوم هو أننا نجد عناصر ضالة تقوم بممارسة التطرف والغلو وممارسة الإرهاب والإجرام بحق الدين والوطن، متناسين سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله، ومتغافلين عن أن الإرهاب عمل إجرامي يهدف إلى إراقة الدماء البريئة، والإخلال بالأمن والاستقرار وبث الرعب والخوف والفوضى في المجتمع، ويؤدي إلى هدم وتخريب المنشآت الحيوية والسكنية العامة والخاصة، فقد أكدت شريعتنا الإسلامية تحريمه وتجريمه، وأنه من الفساد في الأرض، والله تعالى نهى عن الإفساد في الأرض بكل صوره وأشكاله، فالإرهاب لا يزال خطره واحداً من أبرز التحديات التي يواجهها الوطن وأمنه واستقراره ومسيرة تنميته وازدهاره، وهو الأمر الذي عكس يقظة وجاهزية الأجهزة الأمنية والعسكرية التي أسندت إليها هذه المهمة الدقيقة والحساسة في مواجهة الإرهاب وملاحقه عناصره الخارجة عن النظام والقانون إلى جانب الضربات الاستباقية الموجعة والناجحة ضد عدد من تلك العناصر أثناء سيطرتها على مدينة زنجبار بمحافظة أبين، والتي لا تزال حتى اللحظة تحت حصار أجهزتنا الأمنية وتلفظ أنفاسها الأخيرة، يقول الله تعالى : «إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ اليم». فجميع أبناء الشعب اليمني يدركون تماماً خطورة تلك العناصر القاعدية الإرهابية، وإن شرورهم وجرائمهم الإرهابية ومشاريعهم التدميرية وأفعالهم الحقيرة هي في الأصل تستهدف أمننا واستقرارنا ووحدتنا بل وتستهدف أجيال الحاضر والمستقبل وتسعى إلى عرقلة مسيرة التنمية، وتخدم مصالح قوى خارجية، ونحن إذ نؤكد على ضرورة تطهير وطننا اليمني من كل تلك الأفكار المتعفنة والضالة ومن كل إرهابي عابث ومخرب مأجور ومتطرف متربص، ومن كل متعاون ومتعاطف معهم. لذلك نبارك ونشد على أيدي أجهزتنا الأمنية لمواصلة النجاحات في تنفيذ الضربات الموجعة ضد عناصر القاعدة وتضييق الخناق عليهم والتي لاقت ارتياحاً شعبياً واسعاً أكدت للجميع أن لا مهادنة ولا تهاون مع هذه العناصر المتطرفة الإرهابية المهووسة بسفك دماء الأبرياء، وتدمير التنمية وتشويه سمعة اليمن. فعلينا فضح أوكار الإرهاب والإرهابيين، وعدم التستر عليهم، كون من يعينهم أو يؤويهم أو يتستّر عليهم أو يرضى بأفعالهم فهو شريك لهم في الإثم والعدوان، قال تعالى :«وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، فعلينا جميعاً أن نجتث هذا الوباء بكل وسيلة شرعية متاحة وعلينا أن نكون سنداً وعوناً وظهيراً لأبطال القوات المسلحة والأمن لنكمل جهودهم وأن يكون كل واحد منا رجل أمن. كما أن الواجب الوطني يقتضي اليوم من القوى السياسية أحزاباً ومنظمات جماهيرية وشخصيات اجتماعية الوقوف صفاً واحداً مع القيادة السياسية والأجهزة الأمنية ضد هذه الآفة وزمرتها الشيطانية وتجاوز النظرة الضيقة والارتفاع إلى مستوى ما تفرضه مصلحة الوطن, والتحلي برؤية وطنية أكثر اتساعاً في مواجهة تحدي الإرهاب والتطرف الذي يستهدف الوطن والمجتمع بكل شرائحه وفئاته.. والله الموفق. [email protected]