هناك أمور بدهية من الصعب أن تفسرها عكساً . فلشمس وجود ضروري وللقمر وللرياح كذلك . ومحال أن تنبت الأرض الصخرية زروعاً وثماراً دون تربة وماء كما أن من هذه البدهيات أنه كلما قل العرض زاد الطلب والعكس صحيح ... الخ . ولسوف أجدني مضطراً أن أشاهد قناة تلفازية وحيدة إذا لم أجد غيرها وأنا بالخيار إما أن أشاهدها أو أغلق التلفاز! وحاولت أن اقنع بعضهم في أن أي ثورة في الكون ناجحة، لابد أن أعرض للمجتمع أهدافها ولا بد أن تكون هذه الأهداف محل ترحيب مطلق، كأن أعلن أن من أهداف الثورة العدل بدلاً عن الظلم والمساواة في الحقوق والواجبات ، دون تمييز طائفي أو عنصري أو فئوي أو «رشوي» وأن الدستور والقانون بين الجميع فلا فرق بين احمر أو أصفر ولا أسود ولا أبيض، وأن لا بطالة ولا خوف ولا قلق ولا قات ولا مخدرات ولا مرض ولا زحمة في محطات الديزل والبترول ولا ظلام ولا تبعية في القرار الوطني، لا غش في الامتحان ولا سلاح في المدن والقرى .. الخ . وقلت لهذا الأخ أن أي ثورة في العالم لابد أن تكون على النقيض من الواقع تماماً.. لأن الثورة معناها التغيير الأفضل والأجمل والأنضر والأبهى والأحسن : قال الشاب وهو يحاور وهو يجادل وهو «يرفس» إن الثورة ياأخ أن تدمر ماهو موجود لأنك ستقوم بعملية بناء والموجود أساس خرب محطم فلابد أن يقوم البناء على أساس مكين متين قوي جداً، واستمر قائلاً : إن الثورة إذا لم تأت على كل شيء من القواعد ستكون ثورة ضعيفة ، مريضة ، ركيكة ، إنها ستكون ثورة (تلفيق) ياصاحبي: لقد تعبنا يا أخي من التلفيق : إننا يا أخي شعب ملفق من زمان . فحاول صديق من أقصى المكان أن يساعدني ، فوجه إليه سؤالاً : ماذنب الكهرباء تحطم؟ إن ثورتكم هذه ظلامية، تبشر بالظلام ، إن المستشفيات فقدت عشرات المرضى، لأن العمليات متوقفة على الكهرباء فأي ثورة هذه التي تمجد الظلام .. وأي ثورة هذه التي تعزلنا عن العالم لأننا بدون تلفزيون وأي ثورة هذه التي تجعلك تعيش في الشارع خائفاً مذعوراً وفي المنزل يعيش الأطفال والأسرة كباراً وصغاراً قلقين مذعورين !!. قال الشاب : هذا منطق الثورة : قال له صاحبه وهو يحاوره : ماذنب جيل بكامله متوقف عن الدراسة؟ قال الشاب هذا منطق الثورة . فلما رأيت أن كلا المتحاورين قد أمسكا «منفل» سيجارة ليرجم كل صاحبه أنهيت الحوار ، باعتباره قد خرج عن حد اللياقة.