على مدى أيام وأشهر الأزمة القائمة في بلادنا والشغل الشاغل لنا جميعاً هو (الشعب) وماذا يريد؟، بمحض إرادته أو كما يراد له ذلك.. وظللنا طيلة الفترة الساخنة الماضية وحتى اليوم مشغولين بأنفسنا فقط (كشعب) ومشغولين عن أنفسنا (كشعب).. أيضاً.. ناسين أو متناسين في زحمة اهتمامنا فقط بما نريد شيئاً اسمه (الوطن) وماذا يريد هذا الوطن في خضم هذه الأزمة الحياتية التي يعيشها؟.. كلنا تقريباً لم نسأل أنفسنا إلى أين تتجه هذه الأزمة، وما مدى تواؤم إرادة الشعب وإرادة الوطن؟ وكلنا ضعنا في فضاءات مصالحنا الضيقة دون أدنى شعور منا بالمسئولية تجاه المصلحة العليا للوطن.. وبين ضياعنا هذا وجعجعات هتافاتنا.. وضعنا أنفسنا في موضع القطيعة أو مايشبه القطيعةمع وطننا الذي تعتبر إرادته بعد إرادة الله؛ لأنها تلبي إرادة الأمة التي لا يشوبها اختلاف وكأن الوطن في كل هذه الضجة التي تملأ الحناجر المرابطة في استديوهات الفضائيات التثويرية وتملأ بعض الساحات أيضاً كأن الوطن لا يهمنا لا من قريب أو من بعيد.. فالأشجار التي تزين شوارعنا لا تهمنا فنقطعها ونحرقها والأرصفة نخربها وإشارات المرور نكسرها والمباني الحكومية نحرقها وننهبها والملاعب الرياضية نهدمها وأنابيب النفط ندمرها ومحطات الكهرباء نعطلها وصورة الوطن بشكل عام تاريخياً وحضارياً واجتماعياً وثقافياً وقبلياً ودينياً وأخلاقياً ووطنياً شوهناها وأسأنا إليها من فوق المنابر وعبر منابر الإعلام الموتور والموجه، ورغم كل ما نفعله ومازلنا فإننا مازلنا على إصرارنا المتعمد على الإساءة لهذا الوطن والاهتمام بما نريده فقط في الوقت الذي (لحم أكتافنا من خيرات هذا الوطن) لكن ماذا نفعل بنا وقد تجردنا من أبسط أخلاق المواطنة الصالحة؟. فالمتأمل الحصيف لكل ما يجري على الساحة اليمنية اليوم من أعمال تخريبية وإرهابية ومتمردة وخارجة عن النظام يجد كل هذه السلوكيات السلبية، والتي يرتكبها أبناء الشعب نفسه، إنما تسيء بالدرجة الأولى إلى الوطن وليس إلى أشخاص.. فيالها من مأساة تلك التي وصلنا إليها.. بل يالها من كارثة تلك التي تأكل الأخضر واليابس من جسد وروح الوطن وتجتهد في سيرها الحثيث بالوطن إلى المحرقة والخراب والدمار والعودة به إلى العصور المظلمة وليس من سبب لذلك سوى إشباع إرادة مريضة جعلت من مصالحها فوق كل اعتبار.. وهذا هو للأسف الشديد الذي أدى إلى أن تصبح الممتلكات الوطنية هدفاً لكل من هبّ ودب، الأمر الذي وصل بحال اليمن إلى مرحلة خطيرة من التدهور وفي مختلف مناحي الحياة، وهو الأمر الذي يدعونا جميعاً أبناء هذا الوطن إلى أن نعيد النظر في كل أفعالنا وتهوراتنا ومواقفنا من أجل حماية اليمن من السقوط في مستنقع الرذيلة وأن نصحو من غيبوبة وعينا الذي أسلم مقدراته لأرباب الشر وصناع الأزمات قبل أن نجد أنفسنا (كشعب طبعاً) في حال لا نحسد عليه، وحينها لن ينفعنا الندم.. فلنجعل مصلحة الوطن هي هدفنا جميعاً ولنضع ما نريد وما لا نريد في ميزان إرادة الوطن، فما توافق معها توحدنا جميعاً لتحقيقه بروح المواطنة الصالحة التي تعشق الأمن والأمان والاستقرار والتنمية والديمقراطية والشرعية الدستورية وما لم يتوافق مع إرادة الوطن وقفنا جميعاً ضده متنكرين لذواتنا حتى يعلم أرباب الخراب وكل موتور ممتهن أن الشعب اليمني استيقظ من غفلته وغيبوبته وخرج إلى النور ملبياً نداء اليمن.. اليمن: الأرض والإنسان والحياة. فالوطن يا أيها الشعب اليماني في كل ربوع السعيدة يريد شعباً يحافظ على ثوابته الوطنية ويريد شعباً يحافظ على مكتسباته ويريد أمة يتمثل فيها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) فهل نسمو على كل الصغائر ونضع ما يريده الوطن نصب أعيننا؟ ويكفينا هواناً ومهزلة.. إننا على ثقة بأن الشعب لن يسمح أن يعم الخراب وطنه أكثر ما سمح به وأنه سوف يقف في وجه أعداء اليمن بكل ما أُوتي من قوة الإيمان بالله وبوطنه ومواطنته.. وأن الشعب أيضاً لن يسمح لنفسه أيضاً أن يظل متفرجاً أو صامتاً والوطن من حوله يسوده التخريب من قبل بعض منه تمادى في أنانيته حتى صار يخرب مصلحته.. كما أننا على ثقة أيضاً بأن الدولة لن تتمادى أكثر في التفريط بهيبتها أكثر مما وصلت إليه؛ لأن الوطن صار في أشد الحاجة إلى من يعيد إليه كرامته المهدورة من خلال ما دأب عليه الأشرار من سلوكيات تخريبية وإرهابية تستهدف في المقام الأول أبطاله في القوات المسلحة والأمن ومنجزاته التنموية والخدمية التي تربطه بالعصر الحاضر بهدف الرجوع به إلى العصور الوسطى وليس أدل من ذلك من الأذى المتعمد لخطوط ومحطات الكهرباء وقاطرات الغاز وأنابيب النفط.. إلخ. فهل نحن على استعداد للعودة إلى جادة الصواب لنجلس مع أنفسنا ونحاسب ضمائرنا وصولاً بنا إلى الاهتمام أولاً ب (ماذا يريد الوطن)؟ وندع أهازيجنا المستوردة جانباً (الشعب يريد... والشعب لا يريد...) إلخ، أملنا في أن نكون الشعب الذي لا تهزمه الظروف ولا يضحك عليه الجبناء.. فليس لوطننا سوانا وسوى شجاعتنا الوطنية في تلبية نداء اليمن للخروج بنا ووطننا من هذه اللحظات الفارقة في تاريخنا المعاصر.. فلنجعل من إرادة الوطن ما يسمو بإرادتنا الشعبية ونفوّت الفرصة على كل المتربصين.