حتى الأمس القريب كان المشائخ يعتبرون من أبرز أضلاع النظام القائم في اليمن ودعامة أساسية من دعائم الدولة.. ومهما اختلفوا مع الدولة وتقاطعت مصالحهم معها فهم في نهاية الأمر مشائخ يمثلون الدولة ومن رعاياها ولا يمكن أن يفكروا في معارضتها والخروج عن سيطرتها وشق عصا الطاعة وحمل السلاح في وجهها ويعلنوا التمرد على نظام وفّر لهم كل الدعم والرعاية وكان سبباً لقوتهم وعلو مكانتهم وتعامل معهم كآلية من آليات الدولة ومؤسسة من مؤسساتها،فالمؤسسة لا تبنى إلا بموافقة الشيخ والطريق لا يتم شقه إلا بإذن الشيخ والمستشفى لا يقام إلا برضى الشيخ وتحت إشرافه ومطالب الشيخ لا ترد وله كامل الصلاحية في تجنيد رجال قبيلته وفي الوحدات العسكرية التي يحددها ليكونوا عسكراً مع الشيخ والولاء له مقدم على ولائهم للدولة والنظام وولائهم للقبيلة قبل ولائهم للوطن.. وبفضل النظام وتعامله بهذا الأسلوب المرن للغاية أصبح الشيخ في نظر رجال قبيلته هو الحاكم المطلق والآمر الناهي والمتحكم في كل شئون القبيلة في السلم والحرب وإن بقيت نظرة الدولة ونظامها له بأنه شيخ للدولة ونفوذه مستمد من سلطة الدولة ونفوذها ولا يمكنه أن يكون أكثر من ذلك. هذه العلاقة القائمة بين النظام في اليمن والمشائخ كانت محل انتقاد الكثيرين المطالبين بتقليص نفوذ المشائخ وتحجيم سلطتهم التي جاءت على حساب سلطة الدولة ونفوذها وتصدرت الأحزاب السياسية الاشتراكي والناصري ومنظمات المجتمع المدني قائمة المطالبين بذلك، معتبرين هذا النفوذ المشيخي من أخطاء النظام وبالأصح من أخطاء الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وأبرز سلبياته وأحد الأسباب التي أدت إلى إضعاف مؤسسات الدولة وفقدان هيبتها. فما الذي استجد وأدى إلى هذا الانقلاب الرهيب والتحول المفاجئ في علاقة المشائخ بالدولة ونظامها، ولست مع من يقول: إن الدافع ولاء هذا التمرد الذي يقوده مشائخ قبائل ومشائخ دين ومشائخ عسكريين ومشائخ برلمانيين هو فساد النظام وعجزه عن إدارة الدولة والرفع من المستوى المعيشي للمواطن البسيط، وعدم قدرة الدولة على تطبيق النظام والقانون على جميع مواطنيها، لأن كل هؤلاء أكثر المستفيدين من وجود الفساد وضعف الدولة وغياب النظام والقانون، وأسهموا بشكل كبير في كل ذلك من خلال وجودهم في مفاصل الدولة وعلاقتهم الوطيدة بأركان النظام ومشاركتهم في الحكم ولسنوات. ولست أيضاً مع من يقول: إن هؤلاء خرجوا عن النظام وشقوا عصا الطاعة من أجل الوطن ومستقبل أفضل للمواطن وليس لهم أية مطامع وأهداف أخرى.. ومن السخف أن نصدق أن كل هؤلاء الذين نعرف جيداً ونعرف تاريخهم قد أصابتهم صحوة خير مفاجئة، أعادتهم إلى طريق الخير والصلاح، أو أدركوا بعد كل ما ارتكبوه في حق وطنهم وشعبهم - ولازالوا حتى الآن وبعد أن اتخموا من نهب ثروات الوطن - أن للوطن حقاً وللمواطنين حقوقاً يجب عليهم أداؤها. كما لا يمكننا أن نصدق أن من عاشوا على أكتاف الرعوي وتربوا على إذلاله وقهره وبنوا سلطانهم من عرق الرعوي وجوعه بإمكانهم أن يتخلوا عن نفوذهم وهيمنتهم ويتركوا الرعوي يختار حياته كما أراد ؟! وقبل أن ينادي أحزاب اللقاء المشترك بدولة مدنية يحلم أن تولد من رحم القبيلة .. عليه أولاً أن يمدن مشائخه. لكن التفسير الوحيد لما يحدث في اليمن الحبيب أن المشائخ بكل مسمياتهم قد ملوا من البقاء رعايا للدولة رغم كل ما يتمتعون به وأرادوا أن يكونوا هم الدولة ومن يمتلك المال والسلاح يحق له أن يؤسس دولة.