ضربت اليمن الرقم القياسي بإنتاج المشائخ من مختلف الأنواع،وفي المقابل ضرب مشائخ اليمن الرقم القياسي أيضاً في مخالفة النظام والقانون والاعتداء ونهب الممتلكات العامة والخاصة وانتهاك حقوق وحريات رعايا الدولة ورعيتهم من المواطنين. وفي اليمن فقط يتمتع المشائخ بامتيازات بلا حدود، ويحظى البعض منهم بسلطة توازي سلطة الأجهزة المختلفة أو تفوقها بقليل.. ولهذا يمكن القول إن المشائخ هم الفئة الوحيدة بين فئات الشعب اليمني الذين يحصلون على كافة حقوقهم المشروعة وغير المشروعة وإلى جانبها حقوق غيرهم من المعرّفين بقاموسهم بالرعية ، استناداً إلى القاعدة المشيخية التي تقول إن الرعوي ومايملك ملك للشيخ. ولأن اليمن دولة ديمقراطية تؤمن بالتعددية السياسية والحزبية ، فقد تعددت أيضاً سلطات المشائخ ولم يعد الشيخ يعتمد على قوة ونفوذ قبيلته فقط وإنما أيضاً يعتمد على قوة ونفوذ حزبه السياسي الذي ينتمي إليه وهو مايمنحه سلطة إضافية تعزز من هيمنته ونفوذه وفي نفس الوقت تشكل له حصانة قوية تحميه من أي محاولة لإخضاعه للنظام والقانون أو حتى الاحتكام لشرع الله تعالى مثل بقية المواطنين، خصوصاً إذا كان شيخاً ثلاثي الأبعاد أو بتعبير آخر شيخ نوع ثلاثة في واحد، وأقصد هنا أنه شيخ قبيلة عسر له صولاته وجولاته وفي نفس الوقت ينتمي إلى حزب سياسي متغلغل في مفاصل الدولة ، بالإضافة إلى خلفيته الدينية كشيخ دين له أتباعه وطلابه المخلصون وهو في هذه الحالة قد جمع بين ثلاث سلطات قبلية وحزبية ودينية ،وهذا النوع من المشائخ يتوافرون بكثرة في أحد الأحزاب السياسية وهو مايجعل حزبهم دولة داخل الدولة ومشائخهم فوق النظام والقانون ونماذج هذا النوع من المشائخ كثيرة. ومن هنا وإذا مانظرنا إلى الأوضاع الراهنة التي يعيشها يمننا الحبيب سنلاحظ وبجلاء غياباً كلياً للأجهزة الحكومية المختلفة في عموم محافظات الجمهورية يقابل هذا الغياب حضور ملفت لهيمنة المشائخ وأحزابهم، وسنرى وفي كثير من الأحيان أن الحكومة هي من يحتكم للشيخ وترضخ لشروطه وتلبي مطالبه ، ولانرى أبداً الشيخ يحتكم للدولة أو يرضخ لشروطها ومطالبها.. وهذا مايفسر بقاء الانفلات الأمني وتصاعد أعمال التقطع والاغتيالات للعسكريين والمدنيين وتزايد وتيرة الاعتداءات على الكهرباء وأنبوب النفط مع تنامي ظاهرة الاختطافات وانتشار العصابات المسلحة التي تهدد أمن الوطن واستقراره وتقوض أي جهود للتسوية والمصالحة السياسية. أخيراً وعلى ضوء ماتقدم أعتقد أنه من السخف الحديث عن دولة مدنية حديثة وعن عدالة انتقالية ونظام وقانون وحكم رشيد وحقوق وحريات مالم تقتنع الأحزاب السياسية بحتمية التعايش السلمي والقبول بالآخر وبضرورة إنهاء كل بؤر التوتر فيما بينها من أجل حاضر اليمن ومستقبله. والأهم من هذا كله وجود حكومة وطنية قوية تُخضع الجميع لسلطة النظام والقانون ولايخضع وزراؤها لتوجيهات حزبية ومشيخية، وقبل هذا وذاك تعمل على ترويض هذا الكم الهائل من المشائخ وإقناعهم بأن المدنية التي يتحدثون عنها تقتضي منهم التخلي عن بعض هنجمتهم ونفوذهم وتلزمهم التقيد بالنظام والقانون وتطلب منهم التقليل من عدد مرافقيهم المسلحين أو على الأقل إعطاء المرافقين توجيهات ملزمة بعدم قتل المواطنين حتى لو زاحموا مواكبهم أثناء السير في الشارع ، لأن الشارع حق عام ويحق للمواطنين السير فيه إلى جانب المشائخ.. والأكيد أننا لن نصل إلى دولة مدنية بمفهومها العام حتى يقتنع المشائخ ومرافقوهم أن دم المواطن(الرعوي) وماله وعرضه حرام ولايجوز المساس به حتى من قبل شيخ ثلاثة في واحد. رابط المقال على الفيس بوك