هناك إجماع على أن أية خطوة على طريق الإصلاح في اليمن لابد أن تكون في مؤسسة العدل, انطلاقاً من أن الإجماع على أن ماشهدته اليمن من هزة عنيفة كان بسبب غياب دور المؤسسة القضائية.. فغياب هذا الدور أربك مؤسسات الدولة وألغى ماينبغي أن تكون من علاقة حميمة بين كيان الدولة وكيان المجتمع.. إن الذي اغتصبت أرضه من قبل الطغاة المتكبرين, الذين يستحلون أموال الناس, إنما يذهبون إلى القضاء، والأيتام والأرامل الذين يشكون ظلماً وجوراً من أي متكبر متجبر لابد أن يذهبوا إلى القضاء، وإذا خذلت الدولة أو الشركة موظفاً ولم تنصفه في إعطائه, حقه من ترقية أو علاوات, فعليه أن يذهب للقضاء,وإذا تقدم طالب توظيف ظل ينتظر سنوات طوالاً, ورأى أن الرشوة قدمت عليه شخصاً آخر, فعليه أن يذهب للقضاء وإذا اعتدى مجرم على عرض أو أرض أو أزهق نفساً فعلى المظلوم أن يذهب للقضاء.. إذن القضاء أس الإصلاح, وبغير قضاء عادل, سوف تنهار الدولة، أية دولة, وستستبد الفوضى بالناس, وسوف تسقط المجتمعات ويصبح الخوف هو الحاكم والسكينة العامة معرضة للانهيار والعبث. ولابد للقضاء من قاضٍ عادل, يتوافر فيه العلم أولاً والقدرة على الفهم واستنباط الأحكام وتفسير الظروف أولاً, وأن يكون نزيهاً ورعاً أولاً, ولن يكون كذلك إلا إذا علم أن كل نصف ريال يأخذه ظلماً وسرقة ورشوة سيجلب عليه الخزي والعار في الدنيا والآخرة.. ولابد أن يكون خاشعاً لله يرجو اليوم الآخر ويخشى ربه.. وكان القاضي في عهود غابرة يظل يبكي ليله ونهاره خوفاً من أن يكون قد زل في بعض أحكامه وأعطى حق من لايملك لمن لايستحق, وكان القضاة قليلاً من الليل مايهجعون وبالأسحار هم يستغفرون, يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.. ولابد أن يكون القاضي ورعاً, والورع هو أن يحقق المسلم في الحلال, فينظر من أين جاءه هذا الحلال.. ولابد أن يكون القاضي مهاباً والذي يفرض هذه الهيبة هو زهده وعفافه وحياؤه من الله الذي يعلم كل حركة وسكنة. ولابد أن يصلح حال القاضي فتغدق الدولة المرتبات الكافية وفوق الكافية, لأن بيد هذا القاضي رقاب العباد وأعراضهم وأموالهم, ولابد أن تخصص فترة زمنية للقاضي, فلا يعمل قاضياً أكثر من أربع سنوات, ليفرغ بعد ذلك للمعرفة والتأليف والوعظ والإرشاد.. ياإخوان إذا أردتم إصلاح اليمن فأصلحوا القضاء..