قد يكون مثيراً للتساؤل القول إن هذا العالم ليس له إلا قلب واحد يعيش به، لكن الحقيقة تقول: نعم ...أنه الاقتصاد الأمريكي الذي يتعرض اليوم لما يشبه ذبحة صدرية ثانية بعد الذبحة الأولى التي مافتأ حتى الآن يبحث عن بلسم ناجح للعلاج منها. دول العالم لاسيما الدول النفطية تربطها مصالح مشتركة مع الإدارة الأمريكية التي تعد اليوم اكبر مستورد للنفط في العالم ..الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاديات العالم إلى الآن ولا يزال يشكل 30% من الاقتصاد العالمي كله. العالم- إذن- أمام ترسانة اقتصادية تدير جزءاً ضخماً من حركة الاقتصاد العالمي وتتحكم به، ولذلك يصبح أي عطب قد يصيب عجلة العربة الأمريكية لابد أن تنعكس أثاره السلبية على كثير من دول العالم وخصوصاً دول المجموعة الاقتصادية العالمية الكبرى لأن الاقتصاد الأمريكي- كما يقول الخبراء والاقتصاديون- هو القلب الذي يضخ الدم إلى كل أجزاء الجسم العالمي، وبالتالي فإن أي تحول اقتصادي قد يزحزح الموقع الأمريكي من مكانه معناه خضة اقتصادية ستواجهها دول التصدير النفطي ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل إن اقتصاديات العالم ستدفع الثمن وستلفحها النار الأمريكية حتى وإن كانت هذه النار في طريقها اليوم نحو أن تتحول إلى رماد. كاتب هذه السطور ليس خبيراً اقتصادياً بل ولا علاقة له بعلم الاقتصاد من قريب أو بعيد، لكن القارىء والمستمع والمشاهد أياً كان مجال اهتمامه سيدرك وهو يسمع اليوم عن أزمة الديون الأمريكية، وعن خبر تراجع الموقع الاقتصادي لأمريكا بمقدار نصف درجة بحسب التصنيف الائتماني العالمي، وعن القلق الكبير الذي تبديه الاقتصاديات الكبرى كالصين، سيدرك أن العالم اليوم أمام حقيقة واقعة وهي أن الاقتصاد الأمريكي بات جسداً مريضاً، بل وكثير الأمراض، فهو حتى هذه اللحظة لم يبرأ من مرضته الأولى التي وصفت بالأزمة المالية العالمية التي دفع ثمنها كل مواطني العالم فقراءهم وأغنياءهم ولازالوا. سيعترف الأمريكان اليوم بأن نظرية “نهاية العالم” التي اعتقدوا أنها الحقيقة التي تقر بواحدية القطب ومنعة الحصن الأمريكي، سيعترفون بأنها لم تكن سوى دغدغة لعواطفهم، وفيها مافيها من إرضاء لخيلاء النظام الأمريكي وهو يقود سفينة العالم بمفرده وخلفه حلفاؤه. إنه العالم اليوم يقف محاسباً لأمريكا، والاقتصاديات الكبرى تجبرها لتسارع في إعادة النظر في نظامها الاقتصادي الذي يهتز وتهتز له أركان الاقتصاديات العالمية، وهو مايجسد قول بعضهم إن أمريكا إذا عطشت شعر العالم بالزكام.. لكن هل يستطيع أحد أن يقف أمام سنن الكون ان تجري في الحياة، فسيدة العالم اليوم تغرق في بحر الهزائم الاقتصادية وتمضي باتجاه الغروب لقيام عملاق آخر يقود هذا العالم بما فيه العرب الذين تتوارثهم حضارات العالم وسيظلون كذلك ماداموا غير مقتنعين أن بإمكانهم ان يتصدروا دول العالم كله بحضارتهم العتيدة التي كان لها في يوم ما وجود وكلمة.