منذ اشتعال ما يسمى بربيع ثورات الشعوب العربية ابتداءً من تونس وحتى موطن الإيمان والحكمة اليمانية والمواطن العربي الأصيل الذي تربى على الكرامة والشهامة ومكارم الأخلاق الفاضلة يقف مجافياً لمثل تلك الفعاليات الثورية كما يحلو لأربابها تسميتها... وليس هذا فحسب بل إن الأغلبية العظمى من المواطنين العرب في الدول التي استهدفها مخطط الربيع العربي وقفت صامتة ولها الأغلبية على الساحة لأسباب عديدة أهمها أنها وجدت في عمليات التثوير هذه شذوذاً صارخاً وخروجاً فاضحاً عن المألوف المتعارف عليه في أوساط المجتمع العربي الكبير من المحيط إلى الخليج والذي يعتبر المداميك الثابتة والراسخة أخلاقياً ودينياً واجتماعياً وثورياً ووطنياً وقومياً وإنسانيا..الخ لأي عملية تغيير داخل المجتمع، وفي ظل الاحترام الأكبر للثوابت الوطنية التي تعتبر المعطى الأهم لأي فعل من شأنه أن يحدث تغييراً جزئياً أو شاملاً في حياة هذا الوطن أو ذاك بهدف تصحيح المسار إلى الأفضل.. ولنا في ثورة سبتمبر وأكتوبر في بلادنا اليمن على سبيل المثال الشاهد العيان على ما ذهبنا إليه...إذ أن تلكما الثورتين اللتين هما ثورة واحدة جاءت ملبية طموحات شعب يمني كامل في شمال الوطن وجنوبه وهدفها العام الخروج باليمن والشعب من مربع الجهل والفقر والمرض والاستعباد وصولاً بهما إلى حياة حرة وكريمة ومعاصرة تسودها وحدة الشطرين وتتلألأ ملء آفاقها أضواء الحرية والديمقراطية والتنمية الشاملة في إطار نظام جمهوري دستوري ثابت صنعته إرادة الثورة وظل الشعب بكل فئاته حارسه الأمين ولا ولن يقبل المزايدة أو الارتداد عن منجزه هذا مهما قدم من تضحيات...أعود فأقول: مثل هذه الثورات هي التي جاءت وطنية خالصة تصب في مجملها في خدمة الأوطان والشعوب بعيداً عن المصالح الذاتية الضيقة وقريباً جداً من المواطن في صورته الجمعية ومصلحته العامة.. فإذا ما تأملنا كتاب ثوراتنا العربية في كل بلداننا العربية نجد أنها ثورات خالدة في ذاكرة الشعوب خلود ثوارها الأبطال الذين كانوا الوجه الآخر للشعب وضميره الوطني الذي يأبى الضيم ويرفض الارتزاق على حساب مصلحة الوطن حتى وإن كان هذا الارتزاق سوف يساعد على نجاح أي عمل ثوري..فالصدق في التوجه والأمانة في أداء الواجب والعزيمة الإيمانية التي لا تلين والروح الوطنية التي لا تخون والأخلاق الفاضلة في التخاطب مع الشعب والإقدام على التضحية والفداء والقدوة الحسنة في العمل والمثال الحسن في القيادة والأهداف السامية المبتغاة، كل هذه المعطيات كانت عناوين ساطعة وشامخة كالكبرياء لكل ثوراتنا العربية وثوارنا العرب الأبطال وهو السبب الذي جعل الشعوب تتفاعل تلقائياً معهما(الثورة والثوار) وتقدم أغلى التضحيات في سبيل نجاح الهدف..فهل ما تسمى ثورات الربيع العربي التي جاءت وطننا العربي اليوم من الغرب الذي خطط لها ورسم سيناريوهاتها وأعد الدعم اللوجستي الكامل لها وصولاً إلى خلق شرق أوسط جديد في المنطقة يحفظ مصالحها ويحمي اسرائيله ويجعل من أمتنا العربية وأوطاننا وقياداتها ضعيفة هزيلة أكثر من أي وقت مضى ...هل هذه الثورات ترقى إلى مصاف ثوراتنا الأم التي تفخر بها الأجيال؟ بالطبع لا...وألف لا..والأسباب عديدة أهمها بإيجاز ما يلي من وجهة نظرنا... إنها لا ترقى لأن تكون (ثورات) بالمعنى الصحيح...لأنها لا تقوم على أسس ثورية خالصة.. إنها عمليات الهدف منها هو الاستيلاء على السلطة فقط بعيداً عن أي تغيير تنشده الشعوب ويخدم مصالحها الشعبية وحياتها العامة.. إنها تقوم بتنفيذ مخططات وأجندات خارجية متشابهة أساسها التدمير وخاصة للبنى الخدمية والتنموية العامة بهدف إضعاف الأنظمة وخلق حالة من الفوضى والخوف...الخ. إن من يقود هذه الثورات في معظمهم(كما هو الحال في بلادنا) من أركان النظام والفساد فكيف تصدق مثل هذه المفارقات؟ إنها تعتمد على الحملات الإعلامية من قبل قنوات إعلامية مأجورة أساسها الزيف والكذب والتضليل وخداع الرأي العام عن طريق الفبركات التي يلمسها الجميع ولعل قناة الجزيرة هي الرائدة في هذا الجانب..فهل الكذب وسيلة شريفة لنجاح أي ثورة؟ إن جميع ما يسمى ثورات ربيع الشعوب العربية تسند ظهرها على الأجنبي وتستقوي به، أي أنها تخدم تلك الأجندات ولا يهم هؤلاء الثوار والثورات أي خراب أو دمار يحل بالبلد... والأهم أنها لا تعبر عن صوت الأغلبية من الشعوب وهناك الكثير من الأسباب التي لا يتسع المكان لذكرها هنا والخلاصة أن مخطط هذا الربيع المشئوم قد أحال الربيع شتاءً وحرائق وحالة كبرى من الفوضى وعدم الاستقرار لتظل شعوبنا وأوطاننا العربية مشغولة بالتقاتل فيما بين شعوبها وبتدمير مكتسباتها وتتزايد الأحقاد والثأرات وسفك الدماء البريئة ويظل الغرب يجني ثمرات هذا الخراب من خلال استحواذه على ثرواتنا وإضعافه لقدراتنا وتبقى إسرائيل القوة الفاعلة الكبرى في الشرق الأوسط الجديد الذي يريدونه وفق ما خططوا له ونقوم نحن للأسف الشديد بتنفيذه..فماذا جنى الشعب التونسي منذ اندلاع ثورته الربيعية وحتى اليوم؟وهل استقر الشعب المصري أم ازدادت حالته سوءاً؟ وأين ذهبت مقدرات الشعب الليبي وكم سُفكت فيه من دماء؟ وماذا صنعوا بإخواننا الشعب السوري؟وماهو حالنا اليوم في بلادنا اليمن أرض الإيمان والحكمة؟ فإلى متى سنظل نوهم أنفسنا بهذه الثورات وهي في الحقيقة عبارة عن عملية هدم فوضوي لكل ثوابتنا ومكتسباتنا وصولاً بنا إلى خروج آمن وسلمي من هذه المحنة التي وضعنا أنفسنا فيها بأيدينا في لحظات ضعف عابرة؟ أليس بمقدورنا ونحن في اليمن السعيد أن نصحو من غفلتنا ونحتكم لمنطق العقل والضمير الوطني والإنساني والأخلاقي والديني ونجعل مصلحة شعبنا ووطننا فوق كل اعتبار؟ إننا على ثقة بأنّا قادرون على ذلك والله مع الحق والخير والسلام إنه على كل شيء قدير.