إن القراءة الواقعية والموضوعية للشأن اليمني تحتاج إلى إلمام بحركة تطور التاريخ السياسي اليمني عبر مراحل الحياة السياسية وإفرازاتها، ولا يجوز لأي محلل سياسي أن يعتمد على ما تطرحه بعض القوى الحاقدة على اليمن أرضاً وإنساناً ودولة؛ لأن طرح تلك القوى قائم على العدوانية والاحتقار للآخر والانتقاص من القدرات والإبداعات الحضارية للآخر، وغالباً ما تكون النظرة التي يقدمها الطرف الحاقد سوداوية قاتمة لا أثر للنور فيها على الإطلاق. إن تاريخ اليمن القديم والمعاصر مدرسة ينبغي الاستفادة منها وعدم إنكارها أو تجاهلها، وأي حديث تحليلي عن اليمن لا يعطي الجوانب التاريخية لليمن أهمية، لا يعتد به، لأنه سيكون غير موضوعي وتظهر فيه لغة الحقد والكبر وإنكار الحقائق وتبرز فيه المكايدة والزور والبهتان الذي يعبر عن قائله والدافعين له فقط. إن التاريخ اليمني القديم والمعاصر قد دوّن الحقائق التي يستحيل على المحلل السياسي المنصف والموضوعي والعلمي أن يتجاهلها أو يتجاوزها ناهيك عن أن ينكرها، فعلى سبيل المثال الإصرار الكبير الذي أبداه اليمنيون خلال الأزمة السياسية الراهنة من أجل الحفاظ على الشرعية الدستورية واحترام الإرادة الكلية للشعب والتمسك بالتجربة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، لم يأتِ ذلك الإصرار من فراغ على الإطلاق، بل له جذوره التاريخية الكبرى في الفكر السياسي اليمني، لأن اليمن بلد الديمقراطية والحرية ترفض الغوغائية والتسلط، وهي كذلك منبع الشورى لأن الشعب مالك السلطة ومصدرها. إن إصرار الشعب على حقه في امتلاك السلطة أمر بالغ الأهمية في الفكر السياسي، لأن ذلك دليل على عمق التجربة الديمقراطية ونضوج الحياة السياسية في اليمن، فالشعب الذي سجل له الخالق جل وعلا ممارسته للديمقراطية الشوروية في محكم كتابه العزيز جدير بالحفاظ على الشرعية الدستورية والحفاظ على التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية، ومن حقه على العالم أن يحترم إرادته وإصراره على حراسة وحماية النهج الديمقراطي، لأن رفض المحاولات الانقلابية والإيمان بالتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات دليل قاطع على المستوى الحضاري والإنساني في اليمن، وقد أصبح ذلك سلوك الشعب كله الذي سيدافع عن تجربته الحضارية والإنسانية بإذن الله.