لو أردت أن تمتلك تعز فاصح مع الطيور , قلت لصاحبي هكذا وهو يسألني : كيف يمكن أن يمسك الانسان بزمام اللحظة في تعز؟ , عند أن يشهق الطير , وتزغرد الكائنات , ويصدح صوت عبد الرحمن قحطان يغلف الاجواء برداء السكينة , تتثاءب المدينة, لا بد لقلبك ان يتثاءب هو الآخر , فتعز تصحو , وحين تصحو على الآخرين ألا يناموا أبداً اخرج فقط وانطلق في شارع سبتمبر واحرص على ان تسير بجانب الجدران لتلمسها لتسمعها ستحكي لك الف حكاية وحكاية , ستقول لك : لقد مروا من هنا, الحالمون بالشروق , والذاهبون الى حيث تبزغ فجر النهارات, واشواق الناس ستجدها امامك عند الباب الكبير هنا ذات لحظة من فجر اشتاق الناس الى الحرية ,فهتفوا لها وغنوا أغنية الصبح الذي يتدفق من على كتف صبر شعاع شمس ينسكب على البيوت, بين الازقة , الى هامات الذاهبين الى لقمة عيشهم المغمسة بالعرق والجهد. هي تعز إذاً , شمسها تتجمع في كل صباحات البلاد وتتدفق سيلاً على الروابي فتحيل النهارات وروداً على خدود الهابطات من قمة الجبل , يحملن الخير الى المنتظرين مزن السماء ان يصب في قلوبهم غداً يحلمون به , سيأتي مهما كابر مكابر فالوطن قد أذّن في ارجائه أن حيّ على المستقبل الذي ينتظره الصغار . بقايا حكايات على واجهات الدكاكين وهمس اقدام مرت من هنا , يوم أن كان الوطن كله هنا, ولا يزال يسكن هنا, لقد مرت اليمن كلها هنا , ذاهبة الى غدها المأمول . اجمل صباحات المدن صبح تعز وان لم تصدق فاذهب بعينيك الى هامات الجبال التي تحتضنها , وهامات الرجال الذين لا يعيشون الا في قممها , هنا في ذلك الشارع الطويل الذي احتليته ذات فجر , مررت على الغفران , صليت بعد مدرسي , وخرجت بعد صاحب جميل لا ينسى عبد الله عبد اللطيف القدسي , من حانوته بجانب جاود نوري خرج منه من هم علامات الآن في مختلف فروع العلم , لقد ضحى الرجل في سبيلهم , لقد فتح لهم الباب لينطلقوا في رحابه , كانوا يحلمون والرجل يحلم , لا يزال علامة في مقهاية الإبي التي لا تزال تقاوم , وعلى جدران جاود سترى صورهم سترى صورعشاق الغد هتفوا له في ساحة الشهداء , مروا هنا حاملين لافتات سجلوا عليها اشواقهم بفجر آخر تأخر كثيراً لكنه سيأتي , هنا شارك شائف الحسيني , وياسين , والحيمي , وطشان , وعبده صبر وكل من مر الى مدرسة الثورة (( الاحمدية )) في مسيرات ومظاهرات لا يزال دويها في الآذان ينادي المستقبل الذي شعاعه سيغمر الوطن من مهرته الى صعدة ,وهناك استطاع احمد عمر أن يمسك اللحظة بعدسته ويسجل وجوه اليمنيين احياء وشهداء , وتواصل المسير ستجد وجوهاً افتقدتها، رجل المرور احمد الدجنه يشير بيده : تذكر آنذاك دكان احمد الغنامي –مستودع القنال – تذكر حين كان يركبكم في (كبن ) البدفورد يخرجونكم تروحوا تستقبلوا السلال في المطار ... تذكر , وأقول أيوه اذكر وجه السروري , وعبد الله شمسان الدالي , ووجه عبد القادر سعيد , ومحمد طارش , والفتيح , وابو الذهب، ذاهبين بأقراص الخبز للطلبة المطرودين من دار الناصر , كان السباق بين العلم والتخلف , انتصر شارع سبتمبر للعلم واهله , فاحتضن المتعلمين , وسقاهم من عرقه لينبت الزرع مستقبلاً لا يزال في أعين الشباب الذين يخرجون هذه الصباحات يستعيدونه الى مآقيهم يحلمون بالكهرباء والعمل وفرص العيش بدون واسطة ولا جاه إلا جاه الكفاءة والمقدرة , يحلمون بنهار يأتي لا احد يسالهم من اين انتم؟ اواصل الخطى تتنفس تعز اسمع همسها : ايها اليمنيون لا تتراجعوا عن الغد مهما طال الليل فالفجر آتٍ .. لا بد أن يأتي , هو حلم عزيزة وثابتة وحليمة وكل الآخريات . تبدأ الحياة تدب في اوصالها فلا يتوقف نبضها، ترى الناس يتعبون ويعرقون , حيث العمل قيمة , وحيث حبة العرق شرف وعلو هامة, هي تعز قلت لصديقي لابد ان تكون في الصف الاول , ذاك قدرها , حيث مدينة تحمل وطناً , هي تحمله على اكتاف القادمين من كل المدن , من كل صباحات القرى عشقاً , وحلماً ابدياً , لا يستطيع أن يسرقه احد. فقد سكن في النفوس , في العيون , في الايدي , في ضحكات الاطفال , في الساحات , وفي النداء حيّ على خير الوطن . [email protected]