ينظر البعض إلى التغيير من زاوية ضيقة تتوقف عند مسألة التداعيات التي أحدثتها حركة الاحتجاجات والأزمة السياسية على الصعيد الأمني وفيما يتعلق بتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمشتقات النفطية وغيرها, وبالتالي يقارنون ذلك بما كان عليه الأمر , من أجل إعطاء نتيجة مفادها أننا كنا بخير ..طبعاً لا أحد ينكر أن ما حدث ألحق أضراراً كبيرة وساهم في زيادة الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين أو أغلبهم , لكن كل ذلك يهون عندما نضع التغيير في ميزان قوله تعالى {لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وليس عندما يضعه أصحاب الرؤية الضيقة في ميزان «كم ساعات انطفاء وكم قاطرات بترول توفرت». وبالتالي فإن أكبر عملية تغيير حصلت هي تلك التي وضعت حداً لثقافة اجتماعية سيئة غرسها ناهبو الوطن عندما جعلوا مفهوم الناس للشخص الكفء النزيه المخلص بأنه «مسكين ومغفل» في حين أن من يغرق في الفساد يصبح «شاطر وذكي وأحمر عين». قال لي أحد الأصدقاء في رسالة إن انتزاع مدير مؤسسة معنوية توجيهية ظل جاثماً قرابة أربعة عقود هو أكبر انتصار أخلاقي لليمن وليس مجرد تغيير إداري وإصلاح لوضع فاسد فحسب..وله كل الحق في ما ذهب إليه، على اعتبار أن هؤلاء لم ينهبوا خيراتنا ومواردنا بقدر ما نهبوا أخلاقيات وقيماً واستبدلوها بثقافة منحطة وقيم لا تمس للشرف والكرامة بصلة. شادوا القصور بكل فجور وباعوا “....”مقابل «الأرض» , ونهبوا كل شيء , لكنهم الآن صغار بأفعالهم تلك التي لم يرقبوا عبرها في وطن او مواطن مؤمن إلاً ولا ذمة . لا أنكر أيضاً أننا دافعنا عنهم وعن سياسات عامة خلال سنوات سابقة , انطلاقاً من شعور بأنه سيكون هناك وضع حد للفساد والاختلالات والتدهور , وأعترف أننا كنا نحسن الظن بأناس أوبالأصح ب «عصابة» لا يرجى منها خير كما اعتقدنا , عصابة استمرأت الفساد والإفساد , وكانت الحقيقة المرة أننا غالطنا أنفسنا كثيراً عندما كنا نعترف بأن هناك سحرة ولا نعترف بأن لهؤلاء كبيرهم الذي علمهم السحر, وأنه لولا ذلك الكبير ما كانت شيمة جميعهم الرقص. ظلوا على مدى عقود يستفزون كل يمني على أن يتنكر ليمنيته , وكل وحدوي على أن يتنكر لوحدته , ثم أرادوا إيجاد قناعة مفادها ان كل من يتذمر هو غير وطني وغير وحدوي , وكان الشيء المثير للسخرية هو أن يعمدوا إلى إنشاء منظمات لتعليم الناس الولاء الوطني , بدلاً من انتهاج سياسات إصلاح تعيد للناس الثقة والأمل . ومن تلك النماذج رئيس مؤسسة إيرادية تعين قبل ثلاثة عشر عاماً , وتسلمها وهي تفيض بالسيولة وظل يمتصها ويبني العمارات ويشتري السيارات ويدِّرس أولاده في أضخم الجامعات العربية والأجنبية , وأوصل الوضع في المؤسسة إلى الانهيار , جمع خيرات المرفق الحكومي لكنه في المقابل جمع كل اللعنات التي ستظل تلاحقه دوماً. ..وإجمالاً لن نخوض في سرد الأمثلة والنماذج لأنها لا تعد ولا تحصى , وفي المقابل لن نصف الوضع الآن بأنه وردي , فأمام حكومة الوفاق الوطني الكثير من التحديات الصعبة والتركة الثقيلة , لكن الحافز الحقيقي ليس الدعم والمساعدات التي كانت تجيء في الماضي ولا ندري أين تذهب , وإنما الحافز الحقيقي هو الالتزام بمعايير الكفاءة والنزاهة كسبيل لترتيب البيت اليمني من جديد وإيجاد فرص عمل وتوفير موارد كانت تذهب هدرا ًبسبب غول الفساد وتحلل الفاسدين من كل القيم الأخلاقية.