ما من شك أن دستور الجمهورية اليمنية قد كفل لكل مواطن حق التعبير عن آرائه وأفكاره بكل الوسائل المتاحة ومنها وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة؛ شريطة الالتزام بأخلاقيات وآداب الاختلاف، بحيث لا تتحول حرية التعبير إلى حرية للتجريح والإساءة إلى الآخرين كما هو حاصل هذه الأيام في بعض الكتابات التي نقرأها في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية والتي لا تمت إلى حرية التعبير والرأي والرأي الآخر والنقد البنّاء بأية صلة. فهي عبارة عن إساءات وتجريح وشتائم ما أنزل الله بها من سلطان كما هو الحال في بعض الكتابات التي أصبحت تطالعنا بها صحيفة «الجمهورية» هذه الأيام منذ عودة الصديق والزميل العزيز سمير رشاد اليوسفي إلى عمله رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة «الجمهورية» ورئيساً للتحرير بعد أن كان قد استقال في شهر مارس العام المنصرم 2011م!!. والمتابع لصحيفة «الجمهورية» سيلحظ أن تغيراً جذرياً قد شهدته الصحيفة في الشكل والمضمون منذ عودة الزميل سمير بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وكأن رئيس التحرير هو شخص آخر وليس هو نفسه الذي كان رئيساً للتحرير سابقاً. فقد عكست مختلف الآراء - وأنا مع هذا التوجه مائة في المائة - لأن ذلك يعد ظاهرة صحية ويمثّل جوهر الديمقراطية وترجمة حقيقية لحرية التعبير ومبدأ الرأي والرأي الآخر شريطة الالتزام بأخلاقيات المهنة وشرف الكلمة والنقد البنّاء المسئول بعيداً عن التجريح والشخصنة. ولكنني ضد أن تنشر صحيفة رسمية أخباراً ومقالات فيها إساءات وتجريح لشخص رئيس الجمهورية أو لمسئولين في الدولة والحكومة أو حتى لأشخاص عاديين؛ لأني أؤمن إيماناً مطلقاً أن حرية التعبير لا تعني أبداً بأي حال من الأحوال التجريح والإساءات الشخصية، وأن النقد لا يعني أبداً السباب والشتائم. لا أختلف مطلقاً مع من يقول إن وسائل الإعلام الرسمية بما فيها الصحف هي ملك للشعب كونها تموّل من خزانة الدولة؛ ولذلك فلابد أن تكون معبّرة عن إرادة كافة أبناء الشعب، فهذا أمر مسلّم به. لكني اختلف تماماً أن تتحول القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف الرسمية من منابر للتنوير ونشر ثقافة التسامح والإخاء والألفة والمحبة بين أبناء الوطن إلى منابر للتدمير وإثارة الأحقاد والضغائن والفتن ونشر ثقافة الفوضى والتخريب والإساءات والتجريح. نريد أن تكون صفحات «الجمهورية» مفتوحة للأقلام الوطنية الشريفة والكتابات المسئولة الهادفة إلى تضميد الجراحات وتحقيق الوفاق والاتفاق والوئام بين جميع أبناء الشعب اليمني، لا نريدها أن تكون مفتوحة لأقلام تعمل على المزيد من الجراحات. نريد أن نقرأ على صدر صفحات «الجمهورية» كتابات مسئولة توحّد ولا تفرّق، تدعو إلى المحبة والوئام وليس إلى الكراهية والحقد والبغضاء.. تدعو إلى البناء وليس الهدم. نريد ألا تتحول صفحات «الجمهورية» من واحة للآراء والأفكار النيّرة إلى أوعية يفرغ فيها المرضى ما بداخلهم من أحقاد وضغائن وعفونات نتنة!!. ختاماً لابد أن يدرك الجميع أن الشتم والتجريح والإساءات الشخصية لا تعبّر عن الشجاعة والجرأة وليست من البطولة في شيء بقدر ما تعبّر عن مدى الإفلاس والانحطاط الفكري والأخلاقي. وصدق قول الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا