في ظل التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان, لم تعد هناك حاجة لوزارة الإعلام نظراً لما تفرضه على الإعلام، الرسمي من شمولية تعكس وجهة نظر الحزب أو التنظيم السياسي الذي ينتمي إليه .. أو يتعاطف معه وزير الإعلام على نحو يفقد الإعلام الرسمي ماهو بحاجة إليه من الانفتاح على جميع الآراء والاتجاهات السياسية الأخرى، لأن الإعلام الرسمي هو إعلام للشعب بكل قواه السياسية والحزبية، يختلف عن الإعلام الحزبي أو الأهلي المنتمي إلى هذا الحزب الحاكم أو ذاك الحزب المعارض. أعود فأقول إننا في ظل حكومة الوفاق الوطني مهما فرضنا على الإعلام الرسمي من الحيادية الشكلية، إلا أن تأثير الوزير يظهر واضحاً بإسقاط مالديه من الانتماء والقناعة السياسية والأيديولوجية على نحو يفقد الإعلام الرسمي ماهو بحاجة إليه من الاستقلالية التي تجعله قريباً من جميع الاتجاهات على مسافة واحدة، الأمر الذي يستوجب إخضاع الإعلام لقيادة مشتركة من خلال مجلس إعلام تشارك فيه جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية حاكمة كانت أم معارضة، وسيكون أفضل للإعلام الرسمي أن تكون قيادته من العناصر المشهود لها فعلاً بالاستقلالية والنزاهة على نحو يمكنها من الوقوف في منطقة وسط تقربها من الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة بصورة تجعل الحقيقة هي المنطقة الوسط الجامعة لجميع أطراف التعدد والتنوع الحزبي. نعم إن إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بمجلس إعلام يمثل الإعلام الذي نكفل به حرية السياسة وحرية الصحافة حتى لايستطيع أي طرف من أطراف العملية السياسية أن يفرض وجهة نظره على بقية الأطراف الأخرى، وعلى فرض أن الحياد هو القاسم المشترك الذي نطبقه الآن على الإعلام الرسمي المرئي والمسموع والمقروء فإن ذلك يعني أن الحياد هو الموت الذي يفقد الوسائل الإعلامية ماهي بحاجة إليه من الحرية والاستقلالية المحركة للإبداع والتطور والموجبة للتنافس، فهاهي صحيفة الجمهورية نموذج يمكن النظر من خلاله لما يوجد من اختلاف حول انفتاحها على طرف يثير انفعالات واحتجاجات بقية الأطراف الأخرى، بصورة تجعل رئيس مجلس إدارة المؤسسة منطقة تجاذب واختلاف ومجادلة على نحو يؤثر على ماهو بحاجة إليه من التفرغ لتطوير هذه الوسيلة الإعلامية وجعلها قادرة على المنافسة والإبداع والتطور حتى ولو اقتضى الأمر اختلافه جزئياً أو كلياً مع السياسات الحكومية الرسمية بصورة تؤثر سلباً على قراراته المستقلة وعلى ماهو بحاجة إليه من الإمكانيات المادية غير المرتبطة بالتبعية لهذا الحزب أو ذاك التنظيم السياسي المشارك في الحكم على قاعدة أن المستحيل هو إرضاء كل الأطراف المتناقضة أيديولوجياً حتى ولو كانت شريكة في السلطة وفي الثروة والقوة، لابد أن يكون الإرضاء عملية نسبية توجب الإدارة المشتركة للإعلام، بعيداً عن التبعية لهذا الحزب أو ذاك التنظيم السياسي.