الإنسان أولاً .. والإنسان ثانياً .. والإنسان ثالثاً .. والإنسان أولاً وأخيراً! كما ذكرت من قبل أن الاهتمام بالثروة البشرية وإعداد الإنسان وتأهيله كان السبب الرئيس لنهوض دول شرق آسيا تحديداً؛ كاليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والصين وسنغافوره وغيرها خاصة أن هذه الدول لم يكن لديها من الموارد الطبيعية ما يؤهلها للنهوض باقتصادياتها.. فاتجهت للاستثمار في الإنسان، وعلى سبيل المثال فإن كوريا الجنوبية أعلنت استقلالها في نفس العام الذي قامت فيه ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في بلادنا، لكن الكوريين كانت لديهم رؤية ومن ثمّ استراتيجية جعلتهم الآن من أقوى اقتصاديات العالم، وأصبحت سلعها تنافس المنتجات اليابانية في كل قطاعات الإنتاج، والسر يكمن في الاهتمام بالثروة البشرية، فعندما سئل أحد وزراء كوريا الجنوبية عن سر النهضة في الجنوب دون الشمال؛ أجاب أن السر يكمن في الاهتمام بالتعليم حيث بلغت نسبة الأمية في أوساط الكبار (فوق سن الخمسين) فقط (1.6 %) بينما تنعدم تماماً في وسط الصغار (دون سن الخمسين). إنني ومن هذا المنبر الحر (صحيفة الجمهورية) أؤكد أن ثورتنا لن تحقق النجاح إلا عندما ننهض بمستوى المواطن تعليماً وتأهيلاً.. تثقيفاً وتنظيماً.. وما لم يتحقق ذلك فسيكون مصير ثورتنا الحديثة كمصير سابقتيها (سبتمبر وأكتوبر).. وما لم نرتقِ بمستوى عيش ومعيشة الإنسان اليمني كنتيجة حتمية لثورة الربيع اليمني فستذهب أرواح الشهداء وآلام الجرحى وأنات الأيامى وصرخات اليتامى وحسرات الأمهات هباءً منثوراً.. فماذا نحن فاعلون لنرتقي بهذا المواطن حتى تكون له كرامته وقيمته ونفعه؟! لكي نرتقي بالمواطن اليمني يجب: أولاً: أن نصوغَ رؤيةً واضحةً!! وأعني هنا تحديداً الرؤية الاستراتيجية لمستقبل الإنسان.. الحلم الذي يجب أن نسعى لتحقيقه على المدى البعيد في مجال تأهيل وإعداد الإنسان.. سأوضح ذلك: نحن الآن في بداية عام 2012م.. يجب أن نضع رؤية واضحة لما سيكون عليه إنسان 2030م في اليمن، وأعتقد أننا لسنا عاجزين أن نصوغ رؤيةً على نحو (رؤيتنا: أن تكون نسبة الأمية في اليمن 0 % في وسط الصغار ثلاثين سنة فما دون بحلول عام 2030م).. وإلى جانب هذه الرؤية الأساسية نضع رؤية موازية على نحو (تقليص نسبة الأمية في اليمن إلى 10 % في وسط الكبار فوق سن الثلاثين بحلول عام 2030م). ثانياً: أن نضع الاستراتيجية المناسبة: لكي نحقق الرؤية لا بد من وضع استراتيجية مناسبة تبدأ أولى خطواتها بتحليل البيئة المتعلقة بالتعليم، وحصر نسب الملتحقين بالتعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، ونسب الأمية في المستويات العمرية المختلفة، وحصر الإمكانات المتوفرة، ونسب التسرب من التعليم الأساسي والثانوي، وتحليل المناهج التعليمية ...إلخ، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه في علم الإدارة الاستراتيجية (تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف في الجهاز التعليمي، وحصر الفرص والتحديات) ومن ثمّ استخدام التحليل الاستراتيجي المناسب للمقابلة بين كل من نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتحديات للخروج بالاستراتيجية المناسبة لتحقيق رؤيتنا الإستراتيجية. وبعد أن نستكمل عملية التحليل الاستراتيجي نصوغ الرسالة المتوائمة مع الرؤية الاستراتيجية، كأن تكون مثلاً (رسالتنا: بناء الإنسان اليمني وإعداده وتأهيله وفقاً لمقتضيات العصر ومتطلبات التنمية الشاملة وبما يجعله نافعاً لنفسه ومجتمعه ووطنه وأمته، معتمدين في ذلك على منهج حديث ووسيلةٍ متطورة ومعلم مقتدر وإدارة كفؤة)، ومن ثم نحدد الأهداف الاستراتيجية لكل خمس سنوات تصب في مجملها نحو تحقيق رؤيتنا الاستراتيجية، ونولِّد من الأهداف الاستراتيجية أهدافاً سنوية تصب في مجملها نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تسعى بدورها نحو تحقيق الرؤية الاستراتيجية. ثالثاً: أن نحشد الموارد اللازمة والخبرات المتاحة؟ يجب أن ننفق بسخاء لتحقيق هذه الرؤية، فلا يكفي أن نخصص 2 % من إجمالي الدخل القومي للإنفاق على التعليم بكافة مستوياته في مقابل 12 % من إجمالي الدخل القومي كان ينفقها النظام البائد في شراء الأسلحة والعتاد التي ما استخدمت طيلة العقود الماضية إلا لحماية النظام وقمع الحريات وقتل الشعب اليمني، نحن الآن بحاجة في يمننا الجديد إلى أن نتخلص من عقدة الماضي وأن نتحول من بناء الترسانة العسكرية وتكديس الأسلحة والذخائر وتوليد الأجهزة الأمنية القمعية إلى بناء الترسانة التعليمية ومحو الأمية والتخلف وبناء المدارس والمؤسسات التعليمية.. نحن بحاجة إلى أن تكون على الأقل نسبة الإنفاق على التعليم والبحث العلمي بكل مستوياته 25 % من إجمالي الدخل القومي. وإلى جانب ذلك نحن بحاجة إلى حشد الخبرات المتاحة من الكفاءات العلمية القادرة على البناء والتي همّشت في عهد النظام البائد أو هاجرت ليستفيد منها الغير. رابعاً: أن نمتلك الإرادة والإدارة معاً؟ لكي نحقق رؤيانا لا بد أن تكون لدينا إرادة قوية تتولد من حبنا لهذا الوطن وأن تكون لدينا إدارة كفؤة هدفها بناء الوطن، وبغير الإرادة القوية والإدارة الكفؤة ستكون رؤانا واستراتيجياتنا مجرد حبر على ورق.. قراطيس تتراكم عليها الأتربة. أخيراً: هذه الرؤية ليست إلا لمستوى واحد من مستويات بناء الإنسان وهو مستوى التعليم الأساسي والثانوي، ويجب أن تكون هناك رؤية للتعليم العالي ورؤية للتعليم الفني والتدريب المهني.. ويجب أن تكون الرؤى كلها متكاملة ومشكّلة لرؤية واحدة فيما يتعلق ببناء الإنسان.. ويجب أن تكون هناك رؤية واحدة للوطن ككل تصب كل الرؤى في مختلف المجالات لتحقيقها بعون الله وتوفيقه وإخلاص أبناء هذا الوطن وتفانيهم وتعاونهم.. والله من وراء القصد.