ورد في الأثر عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قوله “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”.. لكننا وللأسف الشديد نشاهد ونقرأ ونسمع ما تدمع له القلوب قبل العيون.. وتشمئزّ له وتمقتهُ الأرواح التي ارتضت الخير والسلامة والتعايش بحب في هذا الوطن المعطاء. وأعني بذلك الفئة المتعلمة والمثقفة ومن يُعوّل عليها أن تكون انعكاس الضوء الحقيقيّ للتنوير الإنسانيّ الخالي من شوائب الأحقاد والكراهية والتخوين والتكفير والإقصاء والتهميش، وكل ما من شأنه خلق أجواء التوتر والتوجس ونشر الفُرقة والكيل بمكيالين والعبث بعقول وقلوب الناس. يؤلمني كثيراً ما أشاهده من عبث المثقفين بالفضائيات وما ينشرونه من خزعبلاتٍ وأحقادٍ ونعراتٍ وهواجس مكبوتة في الصحف وعبر نقاشاتهم المتحاملة في حوائط الفيس بوك، والذي أصبح مرتعاً سخيفاً للنيل من بعضهم وفق ما يبثونه من شرور وكيد واتهامات متبادلة وصلفٍ قميء لا يُمثّل إلا ذواتهم وذوات من هم على شاكلتهم. وماذا بعد؟ ها نحن تجاوزنا العام الأول على ثورة الشباب.. لكننا وبعيداً عن معطيات ونتاج الواقع.. أشعلنا ثورةً أخرى دنيئة من متراكمات الثقافة الحزبية والفكرية والمذهبية في إطار الاستقواء بما رسخ في الأذهان وصدقَتهُ انفعالات وأطروحات ومواقف المعنيين بإصلاح وتنوير المجتمع.. ويعلم الله متى سنصحو من غفلة الثرثرة المضادة لكل قيم التسامح وأخلاقيات الإنسان الواعي الحصيف!. ها نحن للأسف وعبر تلك المنابر التي فقدت في أغلبها أساسيات التعايش السليم بيننا البين وقبل التفكير في التعايش مع الآخر.. لم نجنِ سوى المزيد من الخسارات النفسية وتعميق هوّة الخلاف وإكبار مبدأ “إن لم تكن معي فأنت ضدي”. وماذا بعد؟ ثمة فتاوى تكفيرية لم أستوعب جديتها حتى اللحظة.. ولم أكن أعتقد أن سبعين من رجال الدين في اليمن لم يجدوا بهذا الوطن المنكوب بفتاواهم قبل أحداثه الجسام.. أن يغضّوا الطرف عن كل البلاء الحاصل والمحدق بالوطن.. ليتفرغوا لتكفير فئةٍ يحترفون الكلام.. ويجيدون لعبة ومراوغة الحروف.. ويكرر ذات العلماء أخطاء فتاواهم السابقة والتي مازلنا ندفع تداعيات شؤمها حتى الآن على امتداد خارطة الوطن.. متجاوزين بذلك سماحة الإسلام وآفاق جديّة تعامله مع مواقف مشابهة. ورغم يقيني بشطحات بعض المثقفين وتجاوزهم الغبيّ في كتاباتهم، إلا أن هذه الفتاوى برأيي لا تضيف سوى المزيد من العبث وتعميق القطيعة بين المثقفين ورجال الدين خاصة.. وتواري أبرز الالتماعات الإيجابية في أذهان المبدعين بمخرجات ثورة الشباب، وما يحمله القادم من هواجس القمع والتنكيل والأحكام المتهورة.. والتي لا أدري كيف سيصحح رجال الدين أولى نتائجها الراهنة. آملُ ألا نختنق فيما سيأتي من عهدٍ جديد.. وألا تسقط الكلمة في براثن محاكمة النوايا واستهداف العقول الآتية من بلد “الأرقّ قلوباً.. والألينُ أفئدة”.