لو كان الأمر بيدي لأعلنت هذا اليوم، 11 فبراير من كل عام، عيداً للحرية في اليمن, دون أن أعلن عن إجازة رسمية، الأعياد لا يُحتفل بها في البيوت, بل وسط الميادين. 11 فبراير, يوم خالد, سيتذكره الناس والأجيال القادمة جيداً, ففيه قال الناس: “وداعاً للخوف”, وفيه ولد اليمن الجديد.. لم تنتصر الثورة بعد, لكن إرادة اليمنيين في التغيير انتصرت.. لم يسقط النظام, لكن الاستبداد سقط, و”الفرعنة” سقطت وسمعنا دويها. سيقول كثيرون: لماذا تحتفلون؟ لم ننتصر, هل تحتفلون الخيبات؟ هل نحتفل بثورة باعها الأحزاب “بيعة سارق”؟، وسيقول أكثر منهم: “لم تتفقوا على تاريخ لثورتكم” حتى تحتفلون به؟. ليقولوا ما شاءوا، ما أحدثه هذا اليوم المجيد من بطولات, يستحق أكثر من احتفال. في 11 فبراير, ولدت الحرية من ساحة صغيرة اسمها “صافر” .. في 11 فبراير ولدت تعز الجديدة, واليمن الجديد, الذي توحد من أقصاه إلى أقصاه, وعندما يتم الاحتفال بالذكرى في تعز, فهي جديرة فعلاً بهكذا حدث. تعز هي “مهد” الثورة, وكل الثورات السابقة، هي المدينة التي أرهقت النظام كما لم تفعل مدينة أخرى, وهي المدينة التي تعرضت للقمع والقصف أكثر من سواها. دفعت تعز ثمن الحرية بكلفة باهظة.. أحرقت ساحتها, فانفجرت 13 ساحة في كافة المديريات. عندما يحل علينا 11 فبراير, يجب أن نتذكر تعز, المسيرات الخالدة إلى كل حي, والمتحدية للرصاص الحي, مسيرات الشموع الليلية, ومسيرة الحياة الخالدة. تعز التي بعثت فينا الأمل هذا الأسبوع بأن ثورتنا قائمة، هي أكثر المدن التي بعثت برسائل الثورة السلمية، وهزت أركان النظام، صاحبة أول ساحة حرية، وأول ساحة تصعيدية في شارع جمال. مسيرة الشموع الليلية التي خرجت إلى شوارع تعز، وضمت رجالاً ونساءً في زمن القصف، كانت رسالة إشعاع حضارية.. الشمعة فاقت قوة صاروخ.. الشمعة التي بددت عتمة هذا النظام عقوداً هي من ستحرق ما تبقى منه. تعز هي التي سيطر شبابها على المؤسسات الحكومية ب” قلم”، وكتبوا عليها: “مغلق من قبل الشعب”.. هي المدينة التي استبدلت رصاص الحرس الجمهوري ب”وردة” في جوف الرصاصة، وخرجت لتتظاهر. تعز, هي المدينة الأجدر بلقب “عاصمة الثورة”.. وعندما يحتفل شبابها, الذين عانوا كثيراً من بطش أدوات النظام البائد, علينا أن نبعث إليهم برقيات تهانٍ بعظمة الحدث. تحية لتعز, ولكل خيمة في ساحتها الطاهرة, حمت الثائرين من قطرات المطر وأشعة الشمس. تحية لأرواح الشهداء الذين عطروا ساحتها, مازن البذيجي, تفاحة, وعزيزة, وغيرهم من الأرواح الطاهرة, والشموع التي أضاءت دربنا المعتم. تحية لكل ثائر هتف حتى بحّ صوته, ولكل قدم ركضت حتى تمزقت أصابعها. يحيا فبراير, لولاه ما شاهدنا اليمن العظيم والواحد الذي أدهش العالم بثورة سلمية. لولاه, ما شاهدت فتاة ريفية, تعتلي قمة جبل في مديرية سنحان, تنتظر مسيرة الحياة القادمة من تعز, حاملة في يدها لافتة بيضاء كتبت عليها: “طلع البدر علينا”, وعندما وصلت المسيرة هرولت من أعلى باتجاه الفتيات القادمات من تعز لاحتضانهن, وهي تزغرد. مشهد كهذا لن يطمس من ذاكرتي أبداً, وما كان ليوجد, لو لم يولد 11 فبراير. [email protected]