عندما نكتب عن تعز, باستمرار، لا يعني هذا أننا " فراغ " لم نجد ما نكتب عنه. ولا "مناطقيين"، فلا نجيد الكتابة عن ما هو أبعد من مربع تحركنا، بل لأنها جديرة، وكل ما كتب وُيكتب عنها، لم يفها حقها بعد. هذا الأسبوع، كان فارقاً، في تاريخ المدينة: تعز غاضبة. تركت جميع المدن، ما تبقى من النظام يحتفلون بعيد جلوس الرئيس, وكانت تعز تحتفل به ك"يوم نكبة"، ربما لأنها المدينة التي يقول عنها صالح دائما، أنها خرجت في 78 لتقول له أن يتحمل مسئولياته. انفجرت تعزبركان غضب، وحملت الأعلام السوداء، لتجوب شوارع المدينة كاملة، وتهتف أن 17 يوليو "مأساة وطن". لم تكتف بذلك، بل خرجت في المساء بمسيرة "تحمل الشموع"، في برنامج تصعيدي، تقول إنها لن توقفه إلا بسقوط النظام كاملا، وبتحقيق هدفها، كرد جميل لدماء الشهداء التي سالت في أكثر من شارع. لم يكن أحد يتوقع أن تعز، ستعيد بريق تعز المعهود منذ بداية الثورة، رغم التنكيل البشع الذي تعرضت له. حوربت المدينة المدنية، التواقة للحرية، بكل وسائل الموت، وأسلحة القذارة. أُحرقت ساحتها، قُصفت منازلها ليلا ونهارا، وما زال قلبها ينبض: ثورة ثورة ثورة. الثورة في تعز، ليست تسابقاً على منصات المؤتمرات الصحفية، بل سباق مع الزمن لتحقيق حلم. وعلى جميع الساحات والمحافظات أن تساند تعز، في تحقيق هذا الهدف. حين خرج المصريون إلى ميدان التحرير، لم يرعبوا مبارك بعددهم، بل بالرسائل التي كانوا يوجهونها. الثورة لا تنجح بنصب خيام فقط، بل برسائل هادفة، ومستمرة، لا تعرف اليأس. مسيرة الشموع الليلية التي خرجت إلى شوارع تعز، وضمت رجالا ونساء في زمن القصف، رسالة إشعاع حضارية. الشمعة فاقت قوة صاروخ. الشمعة التي بددت عتمة هذا النظام عقوداً، هي من ستحرق ما تبقى منه. تعز التي بعثت فينا الأمل هذا الأسبوع بأن ثورتنا قائمة وستنجح، هي أكثر المدن التي بعثت برسائل الثورة السلمية، وهزت أركان النظام. صاحبة أول ساحة حرية، وأول ساحة تصعيدية في شارع جمال. المدينة التي كان شبابها يضربون بالرصاص الحي, ويمنعون من التجمعات، فتطير الثورة الى الأرياف: المعافر، قدس، التربة، المخا، ماوية. هي التي سيطر شبابها على المؤسسات الحكومية ب" قلم"، وكتبوا عليها "مغلق من قبل الشعب"، وهي التي وضعت المبادرة الخليجية في "نعش"، وشيعتها إلى العالم الآخر. هي المدينة استبدلت رصاص الحرس الجمهوري ب"وردة"، في جوف الرصاصة، وخرجت لتتظاهر. تعز، هي "أول الكبرياء وآخر آمالنا في الكرامة". كما وصفتها الأديبة الرائعة نبيلة الزبير, والمدينة التي يتظاهر فيها "الظل" ضد الظلم، كما حدث الأحد في يوم الغضب . الثورة دروس، ونظام عمل كل عمره من أجل تلقين الجهل لشعبه، لابد أن يدُّرس بهكذا طرق. فلماذا لا نترك الصراعات الجانبية، ونتعلم من تعز، كي يتحقق هدفنا الوحيد، وحلمنا المنتظر؟