يسألني رجل ستيني مثقف عن المنهج الذي ينبغي أن يسلكه الكاتب وعما إذا كان هناك من إطار للكتابة يجدر بالواحد منا أن لايغادره، فهو في نظري أن يحرص المرء على أن لايكذب وعدم الكذب هو المخرج لمواجهة صعوبة أن تقول الحقيقة بالنظر إلى الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه عندما تجد نفسك قد غادرت ربما حياتك وربما معاشك لاقضاء ولاسلفاً . ويمكن التعبير عن هذا المنهج بتأكيد أحدنا بأنه لايستطيع أن يقول الحقيقة المرة بكاملها لكنه بالمقابل يتجنب الكذب ويتجنب الفجور كمسلكيين يقودان إلى فضيحة الدنيا وفضيحة النار . أن لاتقول الحقيقة كلها ربما تبقى ضمن دائرة العقلانية والتوازن والخوف من الله والخوف من خلقه . أما أن يكذب الواحد منا ويكذب ويكذب حتى يصير الكذب أسلوباً، وتحري الصدق هو الغائب في معادلة الحياة بتعقيداتها فهي كارثة أول من يدفع فاتورتها الكبيرة هو من يلوك الكذب دون إدراك أن حبل الكذب قصير وأن الصدق منجاة ولو بعد حين . لايمكن لك أن تقنعني أنك فقط تتجمل عندما تكذب، لأن الكذب خيبة ويوقع صاحبه في شرانق اللعنة (ألا لعنة الله على الكاذبين) قل ما تستطيع من الصدق، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولكن تعال أنت وأنا نتواصى بالصبر على تحري الصدق مادمنا لا نستطيع قول الحقيقة كاملة وغير منقوصة. ولا بأس أن نتذكر أن بيننا إخوة بالكاد قادرون على الحياة، لكن فائض القناعة والشجاعة عندهم يتفوق على فائض الطمع أو محاولة الطيران بجناحي الكذب وتزييف الحقائق. والقضية هنا تتجاوز الفكرة الحالمة بأن يكون أحدنا صادقاً في مشاعره إلى فضاء أكبر وهو إدراك أن مفردة كاذبة ربما حرضت على قتل أو فرقت بين إخوة أو استدعت الفتنة وهي نائمة. والويل كل الويل لمن يكذب في معرض تحريض على قتل أو يفرق الجماعة أو يشعل فتنة لمجرد أنه يريد أن يؤكد ولاءه لجماعة أو حزب أو حتى يتقرب من شهرة.